عصام نعمان

كانت معظم استطلاعات الرأي العام تعطي اليمين المتطرف بجناحيه العلماني والديني نصراً ساحقاً في انتخابات ldquo;إسرائيلrdquo; الأخيرة . لكن، قبل 48 ساعة من بدء الاقتراع، انقلب المشهد الانتخابي، فقد بدأت تباشير تراجع تكتل ldquo;ليكود- بيتناrdquo; بزعامة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان بالظهور، مقابل تقدّم حظوظ الوسط الجديد بشخص الصحافي القديم يائير لبيد، زعيم حزب ldquo;يش عتيدrdquo; - ldquo;هناك مستقبلrdquo;، وأقصى اليسار المتمثل بحزب ldquo;ميرتسrdquo; .

النتيجة النهائية كرّست نبوءة آخر استطلاعات الرأي العام . فقد تكافأ معسكرا اليمين والوسط (ومعه اليسار) وتوازنا تقريباً في عدد المقاعد، من دون أن يكون لنتنياهو هامش كافٍ للمناورة .

ما سبب تراجع نتنياهو وحلفائه؟

كبير معلّقي صحيفة ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo; ناحوم برنياع كان أجاب عن السؤال مسبقاً، وجاءت النتيجة النهائية تؤكد ترجيحاته: ldquo;إن إحدى السمات المثيرة لانتخابات 2013 كانت كامنة في عدم تمكّن رئيس الحكومة نتنياهو وتحالف ldquo;الليكود-بيتناrdquo; من إثارة حماسة الجمهور العريض . وعلى ما يبدو، فإن سبب ذلك يعود إلى سيطرة شعور الملل على هذا الجمهور، من جرّاء رؤيته الوجوه نفسها، ومعايشته المناورات السياسية ذاتهاrdquo; .

في المقابل، دفع الشعور بالملل قطاعات واسعة من الجمهور، في رأي برنياع، إلى تأييد أحزاب أخرى ذات وجوه قيادية جديدة، مثل حزب ldquo;هناك مستقبلrdquo; وحزب ldquo;البيت اليهوديrdquo; وحزب ldquo;العملrdquo; .

ثمة سبب آخر لتراجع نتنياهو وحلفائه . إنه الأزمة الاقتصادية التي تعانيها ldquo;إسرائيلrdquo; وحاول نتنياهو التغطية عليها قبل الانتخابات . فقد اتضح (بحسب صحيفة ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo;)، أن نتنياهو حال قبل أسبوعين من يوم الاقتراع دون تمكين ldquo;مصرف إسرائيل المركزيrdquo; من نشر تقريره، لكونه يطالب بزيادة نسبة الضرائب العامة، وإجراء تقليصات كبيرة في الميزانية العامة، من أجل خفض قيمة العجز فيها . العجز بلغ في نهاية سنة 2012 الفائتة مبلغ 39 مليار شيكل (نحو 11 مليار دولار أمريكي)، أي أكثر بنحو الضعفين من العجز الذي توقعته حكومة نتنياهو، وكان بقيمة 20 مليار شيكل . ويؤكد تقرير المصرف المركزي، من ضمن أشياء أخرى، أن قيمة العجز في الميزانية العامة يمكن أن تكون أكبر بكثير بعد سنة 2013 إذا لم تبادر الحكومة على الفور إلى اتخاذ إجراءات سريعة، مثل زيادة نسبة الضرائب العامة، وتقليص ميزانيات جميع الوزارات . كما يؤكد التقرير أن الميزانيات التي أنفقتها الحكومة على مشروعات في مجالات التربية والتعليم، والأمن، والصحة، والرفاه، والبنى التحية، تجاوزت كثيراً سقف الاعتمادات المحددة ضمن الميزانية العامة لسنة 2013 والأعوام المقبلة .

لماذا حال نتنياهو دون نشرِ تقرير المصرف المركزي؟

الجواب: ldquo;لأنه يتناقض مع إعلان كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير المال يوفال شتاينيتش، أن الحكومة المقبلة لن تزيد نسبة الضرائب العامة، ولن تقلص ميزانيات الوزاراتrdquo; كما يجزم غاد ليثور، المحلل الاقتصادي في ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo; .

في ضوء هذه الوقائع والأرقام التي تجاوزت، يجمع أهل الرأي في ldquo;إسرائيلrdquo; على أنه، حتى لو عاد نتنياهو على رأس حكومة جديدة، فهو لن يملك القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بقضايا توجد بشأنها خلافات حادة في الرأي، مثل قضية تجنيد الشبان اليهود الحريديم، وقضية الميزانية العامة، بل حتى قضية شن هجوم عسكري على إيران .

إلى ذلك، ثمة ظاهرة بازغة في المشهد السياسي ldquo;الإسرائيليrdquo; ستكون لها تداعياتها . فقد عاد الوسط، كما اليسار، إلى الصعود . يائير لبيد، زعيم ldquo;هناك مستقبلrdquo;، له مستقبل فعلاً، وليس أدل على ذلك من مسارعة نتنياهو إلى تهنئته بعدما تأكّد فوز حزبه الوسطي بنتائج باهرة جعلته ثاني أقوى حزب في الكنيست، وإغرائه بالتعاون معه لتأليف حكومة جديدة موسعة . لبيد كان ركّز في حملته الانتخابية على برنامج سياسي تفصيلي يدعو إلى إحداث تغيير في الدولة، أبرز بنوده تجنيد الشبان الحريديم في الجيش أو في العمل الإلزامي (الخدمة المدنية)، والنهوض بالطبقة الوسطى، وبناء 150 ألف شقة سكنية، وإدخال تعديلات على نظام الحكم . وقد لقي برنامج لبيد تجاوباً لدى الشباب، ولاسيما في الكليات والجامعات، إذ وجدوا فيه سياسياً يفكر فيهم، ويتعامل معهم بصفتهم قطاعاً جديراً بالاهتمام .

غير أن لبيد لا يفترق كثيراً عن نتنياهو وحلفائه في مسألة القدس التي يدعو إلى بقائها موحدة، أو في مسألة الاستيطان التي يدعو في سياقها إلى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى ldquo;إسرائيلrdquo; . وهو من الداعين أيضاً إلى مشروع ldquo;دولتين لشعبينrdquo;، ويبدو جاداً أكثر من نتنياهو في مسألة معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين .

اليسار، ممثلاً بحزب العمل، لم يفلح في تخطي مستوى العشرين مقعداً، كما كان يأمل . لكن المقاعد التي نالها تبقيه لاعباً مؤثراً في المعارضة . أما حزب ldquo;ميرتسrdquo; فقد ضاعف عدد نوابه، الأمر الذي يؤشر إلى حدوث يقظة في أوساط اليساريين الأكثر جدية من أنصار حزب العمل . وإذا ما جرى توحيد الأحزاب اليسارية في جبهة برلمانية معارضة، فإن التأثير السياسي لليسار يصبح ملموساً وفاعلاً .

هل يمكن تأليف حكومة وسطية بمعزل عن نتنياهو وأحزاب اليمين؟

هذا الخيار ممكن نظرياً في حال توافر ثلاثة شروط: الأول، توحيد أحزاب اليسار في جبهة واحدة . الثاني، موافقة يائير لبيد، زعيم تكتل ldquo;هناك مستقبلrdquo;، على ترؤس حكومة ائتلافية لا تضم بعض أحزاب اليمين . الثالث، موافقة التكتلات العربية في الكنيست على المشاركة في الحكومة الائتلافية، إذ لا سبيل إلى حيازة الأكثرية النيابية اللازمة من دون مشاركتها أو موافقتها، في الأقل، على تأييد الحكومة الجديدة . مع العلم أن ليبيد يرفض الائتلاف مع التكتلات العربية .

غير أن سبباً آخر رئيساً قد يحول دون تأليف حكومة وسطية، هو عدم وجود شخصية وازنة مجرّبة لدى معسكر الوسط واليسار تضاهي نتنياهو . فيائير لبيد يفتقر إلى التجربة السياسية لكونه يدخل الكنيست لأول مرة . وهو، على كل حال، لا يبدو مستعداً لمنافسة نتنياهو من أول الطريق . لعله يفضّل مساومته لدخول الحكومة الجديدة بشروط ملائمة له شخصياً، ومجزية لتكتله البرلماني الوليد .

المهم، في نهاية المطاف، أن اليمين أخفق في السيطرة على المشهد السياسي، وعنجهية نتنياهو كُسرت، فما عاد في وسعه أن يتخذ قرارات حاسمة في مسألة توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، كما أن معاناة ldquo;إسرائيلrdquo; الاقتصادية ستُكره أية حكومة مقبلة على إعطائها الأولوية في المعالجة، والإصغاء أكثر إلى توجيهات إدارة أوباما، وإلى مراعاة الرئيس الأمريكي الذي ربما شعر بالارتياح للصفعة التي تلقاها صديقه اللدود المشاكس .

ldquo;إسرائيلrdquo; بعد الانتخابات تبدو أقل إدعاءً وأكثر استعداداً لالتزام سياسة أمريكا .