عبدالله صادق دحلان

آمل أن يشمل تطوير الصناديق العربية والبنوك التنموية تغيير قياداتها؛ لأن المرحلة القادمة تتطلب قيادات إدارية واقتصادية شابة، تمتلك رؤية تنموية عصرية

مبادرات حكيمة من القيادة السعودية في معالجة القضايا الاقتصادية، التي تواجهها بعض الدول العربية. وعندما تُقدم المملكة مبادرتها، فهي فعلا ملتزمة بالوفاء بوعودها وبمبادراتها. ورغم أن جميع المراقبين لأعمال ونتائج القمة الاقتصادية، التي عقدت الأسبوع الماضي بالعاصمة السعودية الرياض، كانوا يتوقعون أن المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج قادرة على وضع الحلول وتنفيذها؛ للمساعدة في خروج بعض الدول العربية من أزماتها الاقتصادية، وذلك استكمالا لدورها التنموي الذي امتد خارج حدودها، ومن يسترجع أرقام المساعدات السعودية للدول الإسلامية، وبعض الدول العربية، ودول العالم الآخر من الدول الفقيرة، يلاحظ أن المملكة على قائمة الدول في العالم، التي تقدم المساعدات الإنسانية. ولم يقتصر إيراد البترول على التنمية في المملكة فقط، وإنما ساهم البترول والغاز وتحويلات العمالة الأجنبية في تنمية العديد من دول العالم المتقدم والنامي والفقير، وهي حقيقة تثبتها الأرقام المسجلة دوليا. وإن كنا أحيانا نطالب بمبدأ الأقربون أولى بالمساعدة ـ وأقصد الأقربون داخل المملكة أو في العالم العربي والإسلامي ـ إلا أن الواجب الإنساني هو مطلب دولي من الدول الغنية لحساب الدول الفقيرة، بصرف النظر عن الديانة والجنسية وجغرافية الموقع.
إن قرارات القمة الاقتصادية العربية في العاصمة السعودية، أثبتت فيها دول الخليج وفاءها والتزامها العربي تجاه التنمية في جميع الدول العربية دون استثناء، ومن وجهة نظري أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هي مبادرة عقلانية بعيدة عن عواطف التبرعات والهبات التي كانت تصرف لبعض الدول العربية دون متابعة لكيفية الصرف ونوعية المشاريع، مما ساهم في تعاظم الفساد عند استخدام التبرعات والهبات. أما المبادرة السعودية بزيادة رؤوس أموال الصناديق العربية الموجهة لقروض التنمية في الدول العربية بنسبة 50%، وزيادة رؤوس أموال الشركات العربية المشتركة بنفس النسبة، فهي مبادرة وتوجه في الطريق السليم والآمن؛ لتحقيق التنمية الحقيقية لشعوب بعض البلدان العربية. فكم من بلايين دفعت كإعانات وذهبت في جيوب المفسدين من كبار المسؤولين ولم تستفد منها الشعوب. وكم من تبرعات شعبية دفعها المواطنون ورجال الأعمال ضلت طريقها ولم تذهب إلى أصحابها؟. وأجزم أن ربط الدعم العربي بالصناديق والبنوك التنموية العربية هو قرار حكيم، وأن مضاعفة رؤوس أموال هذه الصناديق والبنوك سوف يضمن تحقيق التنمية فعليا وسيضمن برامج المراقبة والمتابعة على أرض الواقع، ويأتي في مقدمة هذه الصناديق والبنوك الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وبنك التنمية الإسلامي، وصناديق الاستثمار الوطنية، ودعم البنوك الإسلامية، والسماح لها بالقيام بدور تنموي تجاه تمويل المشاريع التنموية التي تحتاجها شعوب بعض الدول العربية.
وإذا جاز لي الاقتراح لدعم مبادرة المملكة في زيادة رؤوس أموال الصناديق العربية والشركات العربية، فإنني أقدم اقتراحي أولا لتطوير نظام هذه الصناديق، فهي تعمل من خلال أنظمة قديمة لم تتطور منذ إنشاءها لتلائم تطور التنمية الاقتصادية، فمعظم الصناديق والبنوك التنموية هي مؤسسات تمويلية حكومية، تدار بفكر حكومي تتمثل فيه البيروقراطية، فكان تمويلها في الماضي يقتصرعلى الحكومات لخدمة مشاريع تنموية، ثم تطورت إلى فتح الباب لتمويل مشاريع للقطاع الخاص وبشروط صعبة جداً وبعد موافقة ممثلي الحكومات، مما دفع القطاع الخاص إلى العزوف عن طلب قروض التمويل لكثرة طلب الضمانات، وارتفاع نسب رسوم الخدمات، وطول مدة اتخاذ القرار، وشروط عديدة أخرى. فلم يستفد من هذه القروض سوى الشركات الكبيرة القادرة على توفير الشروط، وحرمت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واستبعد الشباب وسيدات الأعمال من الاستفادة من هذه القروض، فازدادت الشركات الكبيرة نموا وواجهت المؤسسات الصغيرة صعوبات وعقبات حتى خرج الألاف من سوق العمل، وأقفلت الآلاف منها نشاطها في السنة الأولى من عملها. فهل تستكمل المملكة مبادرتها وتضيف لها مبادرة أخرى تستهدف التطوير لأنظمة الصناديق التنموية العربية، وتوسع دائرة تمويلها للقطاع الخاص وإزالة الشروط التعجيزية؟. كما أتمنى أن يوضع جدول زمني لتفعيل زيادة رؤوس أموال هذه الصناديق والبنوك والشركات العربية، كما آمل أيضا التسريع بتفعيل صندوق تمويل المؤسسات الصغيرة، الذي تم إقراره في قمة الكويت الاقتصادية الأولى، مؤملا أن يُفتح الباب لمساهمة القطاع الخاص في الشركات الحكومية المشتركة.
إن قرارات القمم الاقتصادية التنموية لا تحتمل الانتظار طويلا؛ لأن الظروف الاقتصادية في بعض الدول العربية لا تستطيع أن تواجه البيروقراطية في تنفيذ التوصيات. ورغم أنني فخور جدا بقرارات القمم الاقتصادية العربية، إلا أنني غير متفائل كثيرا بتنفيذ توصياتها سريعا. كما أنني آمل أن يشمل تطوير الصناديق العربية والبنوك التنموية تطوير وتغيير قياداتها، التي أدت دورا متميزا في مرحلة من المراحل التأسيسية، أما المرحلة القادمة فتتطلب قيادات إدارية واقتصادية شابة برؤية تنموية عصرية.
إن خطط التنمية المستقبلية، ينبغي عليها التركيز على دور المؤسسات الصغيرة، والتركيز على العمل للحساب الخاص للشباب والشابات.