وائل الحساوي

استمعت الى ندوة لأحد الدكاترة المتمرسين في العلوم السياسية يحلل فيها ظاهرة الربيع العربي، فذكر بأن وزيرة الخارجية الاميركية السابقة (كونداليزا رايس) عندما ارادت ترشيح نفسها وزيرة للخارجة وعدت الادارة الاميركية بأنها ستحدث تغييرا جذرياً في العالم العربي بحيث تجعل جميع دوله تخضع خضوعاً مباشراً للولايات المتحدة، وهذا ما حدث عندما تفجر الوضع في تونس ثم في مصر وهكذا، ثم قام الدكتور بتفسير ما حدث بأنه يؤدي في النهاية للدوران في فلك الدول الغربية لاسيما تفجر العنف والبطالة والاقتتال الداخلي.
لا شك ان تفسير ظاهرة الربيع العربي بهذه التفسيرات المتطرفة يؤدي الى قتل روح المبادرة والأمل لدى الشعوب العربية ويزيدها شعوراً بالاحباط واليأس من كل شيء حولها ويصور تلك الشعوب بأنها دمى محنطة يسيرها كل من يريد بحسب ما يريد، وقد سمعت كلاماً كثيراً مشابهاً من العديد من المثقفين والمتنورين.


بالطبع فإننا يجب ان نفرق بين الدوافع الحقيقية لقيام الربيع العربي وبين ما آلت اليه الأمور بعدها، ولا يعني ذلك بأننا نؤيد الفوضى التي صاحبت ذلك التغيير او جاءت بعده.
ان ظاهرة الربيع العربي تمثل قنبلة انفجرت بعد اكثر من نصف قرن من الاحتقان المتواصل والشحن المستمر ويغذيها ممارسات بشعة يقوم بها جزارون ووحوش بشرية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ويحيط بها جدار غليظ من الجوع والحرمان والظلم والقهر والاضطهاد الذي لو تم تسليطه على الحديد لذاب من شدة بأسه وهكذا هي الثورات على مدى العصور.
ان الذين يجلسون في الظل ليحللوا مسار الأحداث دون ان يكونوا ممن اكتووا بنارها وممن جربوا مرارة الظلم والقهر لا يمكنهم ان يعطوا التصور الصحيح لحقيقة ما يجري على ارض الواقع، اما اسباب انحراف الثورات عن مسارها الصحيح ووقوع الفوضى والانحرافات فيها فهذا له تفسيراته الكثيرة التي قد لا يكون لها دخل بمسبباتها، ولا نريد الاستدلال بما وقع من ثورات على مر التاريخ ثم كيف تحولت الى مسارات خطرة ومنحرفة تسببت بكثير من المآسي، ولكن متى ما تهيأ لها العقلاء الذين يسعون الى تعديل مسارها والاستفادة من اخطائها فإنها تتحول بإذن الله تعالى الى نعمة عظيمة واستقرار كما حدث لأوروبا التي خاضت حروباً عظيمة وثورات متتالية، لكن تسلم القيادة فيها بعد كل ذلك العقلاء الذين ردوها الى جادة الصواب.
وللحديث بقية بإذن الله.