وائل الحساوي

من المعروف أن تفجير الذرة يولد طاقة جبارة، فإذا تم احتواء هذا التفجير ضمن نطاق محدد حصلنا على طاقة سلمية عالية، اما إذا انفجر عشوائيا، فانه يولد طاقة مدمرة تفني الاخضر واليابس.
ينطبق هذا الامر على اغلب الثورات في العالم حيث تولد نتائج مدمرة على بلدانها - في اغلب الاحيان - وتأخذ وقتا طويلا قبل أن تتحول إلى وضع الاستقرار.
فعلى سبيل المثال فان الثورة الفرنسية التي قامت لترسيخ مبادئ الديموقراطية عام 1789 وانهار خلالها النظام الملكي في فرنسا وقتل خلالها عشرات الآلاف من الفرنسيين من اجل ارساء دعائم الثورة، ففي عام واحد قضت لجنة السلامة العامة بقيادة laquo;روسبيرraquo; على اربعين الفا من الفرنسيين عن طريق الاعدامات ممن اسموهم اعداء الثورة، ثم عادت الملكية إلى فرنسا على يد نابليون الاول، ثم قامت الجمهورية الثانية، ثم الملكية، ثم الجمهورية ويكاد يجمع المؤرخون على أن الاسباب الحقيقية للثورة الفرنسية هو الفقر والجوع اضافة إلى القهر الذي كانت تمارسه الملكية والكنيسة ضد الشعب.

الثورة البلشفية


أما الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 فقد كان محركها الاول هو الفقر والجوع كذلك، حيث دخلت روسيا حروبا مدمرة ضد العالم قتل خلالها ملايين الجنود الروس وانهار الاقتصاد وتوالت الهزائم وشعر الناس باليأس من الاصلاح، وعندما خرجت المظاهرات وتوالت الاضرابات والتمرد، ارسل لهم القيصر laquo;نيقولا الثانيraquo; الجنود لمقاومة المتظاهرين فانضم هؤلاء الجنود للشعب وانهارت فاعلية السلطة.
بعد انهيار سلطة القيصر وسيطرة البلاشفة على الحكم بقيادة لينين بدأ الارهاب الجماعي ضد الفئات المتوسطة والغنية في المجتمع والمثقفين ورجال الدين وغيرهم، ثم قامت الحرب الاهلية الروسية لثلاث سنوات والتي كانت نتائجها قتل مليون ونصف المليون وفقد مليونين (منهم حوالي نصف مليون مسلم قوقازي)، ثم كانت المجاعة التي حصدت ملايين الروس، وحوالي سبعة ملايين طفل شوارع، ومات ثلاثة ملايين من مرض التيفؤد ودمر الاقتصاد تماما خلال الحرب ودمرت المصانع والجسور ونهبت الماشية والمواد الخام.
وقد ورث ستالين الحكم بعد لينين وقتل الملايين باسم انجاح الثورة الشيوعية وشعاره هو: laquo;لا اهتم بان يقتل نصف سكان العالم لكي يقوم النظام الشيوعي في النصف الآخرraquo;.

ثورة ماوتسي تونغ


استولى ماوتسي تونغ على الحكم في الصين عام 1949 وحولها إلى بلد شيوعي بالحديد والنار وقتل الكثيرين تحت شعارات جوفاء، وفي عام 1966 اعلن ماو عن ثورته الثقافية التي اراد من خلالها تعزيز حكمه وضرب خصومه من الشيوعيين، فدعا إلى الانقلاب على الزعامة الشيوعية في البلاد واستجاب له ملايين الشباب، وغرقت الصين في الفوضى وجرى تعذيب وقتل الملايين وتخريب الثقافة الصينية، وظلت تلك الثورة ثلاث سنوات قتل خلالها 32 مليون صيني واصبحت الصين على شفا حرب اهلية.
هذا الذي ذكرته هو بعض الامثلة مما تسببه الثورات عامة في البلاد التي تقوم بها، ولا اقصد بالطبع أن اثني على الفوضى العارمة التي تحدث في البلاد العربية باسم الربيع العربي أو أن ابرزها، ولكن لبيان أن تلك الفوضى لا تعني دائما أن الثورات هي صناعة خارجية أو مؤامرة من الاعداء ضد بلادنا، وان كان من الطبيعي أن يستغل الاعداء الثورات ليحققوا اهدافهم من خلالها وليحولوا تلك الثورات إلى مصلحتهم، وهو ما يجب أن نحذر منه أشد الحذر.
وللحديث بقية بإذن الله.