جاسم بودي


انفرجت أسارير بعض من في السلطة عندما ظهرت الخلافات بين تيارات المعارضة إلى العلن. والخوف كل الخوف ان تبني الحكومة استراتيجيتها على هذه الخلافات فتنسى المشاريع والقوانين والإنجاز والإصلاح وتركز على إنهاك مشروع المعارضة معتبرة ذلك انتصارا لها.
خلافات المعارضة يا سادة يا كرام صحية وطبيعية وعادية، ولا يمكن لتيار ينشد المزيد من الحريات والديموقراطية أن يفرض اللون الواحد على جميع المنضوين تحت لوائه وإلا فقد الكثير من صدقيته. تختلف مجاميع شبابية مع خطة التحرك أو تتفق فهذا أمر يخصها. تتغير التركيبات التنظيمية للإطار العام للتحرك من جبهة إلى ائتلاف إلى تجمع... أيضا هذا أمر تحدده القوى السياسية نفسها في إطار ما تراه مناسبا للحشد والاستقطاب. ينسحب هذا الطرف أو ذاك ويفضل خريطة طريق أخرى... أيضا وأيضا هي حرية الخيار، إنما قوى المعارضة كلها متفقة على عناوين رئيسية بالنسبة إلى حراكها ومختلفة على الأسلوب.
خلافات صحية وطبيعية وعادية. حدثت لدى قوى معارضة كثيرة في الكويت وخارج الكويت وستبقى تحدث. هل تضعف مشروع المعارضة؟ الجواب عند أهل الحراك بكل ألوانهم وليس عندنا، إنما علينا ألا ننسى أننا في الكويت حيث لا إقصاء ولا عزل ولا انعزال، وأن أهل الحراك هم أهلنا مهما تباينت المواقف وتباعدت، وإن الوفاق والاتفاق والمصالحة والمصلحة الوطنية هي العناوين التي تحكم المسار السياسي لا الانقسام والتفرقة والتصيد والشماتة، وإن التطرف والتناحر ورفع المتاريس والانكفاء إلى المناطق الضيقة بدل المساحات الرحبة هي العناوين التي تحكم نهايات الكويت ولا تحقق ربحا لأحد.
المهم ليس خلافات المعارضة أو اختلاف وجهات نظرها. المهم ألا يتوقف قطار الحكومة في هذه المحطة منتظرا ما ستؤول إليه الأوضاع كي يعاود المسير في الوجهة الخطأ أو عبر مسارات صدئة تحمل الكثير من المخاطر أو حاملاً ركابا منهكين متعبين يائسين. جانب من حراك المعارضة مرده الحقيقي الاحتجاج على الفساد وشلل التنمية وسوء الإدارة وغياب المبادرة وتأخر المشاريع والكيل بمكيالين في الثواب والعقاب و... و... و... لذلك، فان هذا الاحتجاج هو سيف بيد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وليس سيفا عليها، والأجدر بها أن تبادر اليوم قبل الغد إلى معالجة قضايا نامت في الملفات نوم اهل الكهف وأن تستفيد من الفرصة التاريخية السانحة حالياً على مستوى الملاءة المالية للعبور بالكويت إلى مستقبل حديث متطور.
الأمر الأهم على الاطلاق في رأيي، أن بعض من في السلطة الذين انفرجت اساريرهم عندما خرجت خلافات المعارضة إلى العلن، اصيبوا ربما بعمى الألوان والاتجاهات. ركزوا على تباينات موجودة في كل المعارضات السياسية بل ولدى الموالاة، واستمروا في تجاهل خلافات ابناء الاسرة وممارسات بعض صغارها وعمليات التفخيخ والتلغيم والطعن بالظهر التي يقوم بها laquo;جهلةraquo; أسكرهم السباق المحموم على السلطة فلجأوا إلى أسفه الطرق للوصول إلى أهدافهم، مسيئين للأسرة أولا وللنظام ثانيا وللكويت برمتها.
أن تختلف المعارضة مع الموالاة أو تختلف بين بعضها فهذا جزء من عمل سياسي طبيعي وعادي ومنطقي ومبرر. أن يتجاوز بعض صغار أبناء الأسرة الخطوط الحمر وتخرج خلافاتهم إلى العلن ويتهموا بعضهم بعضاً بتفخيخ المواقف وlaquo;الخيانةraquo;... فهنا على أصحاب الأسارير المنفرجة أن يفركوا أعينهم لرؤية المشهد بعين مختلفة.
أن يتباهى بعض أبناء الاسرة بأنهم استثمروا أو خططوا أو استفادوا من لحظات سياسية وحراك شعبي لإسقاط فلان أو ازاحة علان من طريقهم... فهنا على أصحاب الأسارير المنفرجة أن يحكموا أدمغتهم قليلا ويغيروا طريقة تفكيرهم.
أن يستمر بعض أبناء الاسرة في خوض المعارك ضد عمومتهم وأبناء عمومتهم بالوكالة عن طريق واجهات نيابية وإعلامية وتجارية... فهنا على أصحاب الاسارير المنفرجة أن يضعوا أياديهم على رؤوسهم وإدارتها إلى الوجهة الصحيحة.

أن يتسابق بعض أبناء الأسرة للحصول على تراخيص إعلامية، مباشرة أو عبر واجهات، لتصفية أحقادهم، ويكرسون المانشيتات والافتتاحيات لضرب صورة رئيس الحكومة أو نائبه أو غيرهما من الشيوخ الوزراء أو الشيوخ غير الوزراء... فهنا على أصحاب الأسارير المنفرجة أن يضعوا أياديهم على رقابهم، خصوصا اذا كانت laquo;السفاهةraquo; وصلت حد انشاء منظومة متكاملة اعلامية - أمنية عبر وسائط التواصل والحسابات الوهمية أو بعض أجهزة الرقابة المنفلتة من الرقابة أو بعض الموالين في اجهزة حساسة وظيفتهم التجسس والدس وكتابة التقارير والتلفيق وإيهام الكبار بأن رأي الناس معهم.
والمشكلة أن أحدا من داخل الأسرة لا يضع حداً لهؤلاء، بل المأساة تمثلت في أن البعض من داخل الاسرة تعامل مع هذه الظاهرة المسيئة بالأسلوب المادي، أي عبر تعويض الأحقاد بشراء الوسائل أو إقفال مؤسسات، ثم اكتشف هؤلاء لاحقا أن الطبع لا يتغير وأن من عوضوا عليه وأعطوه أكثر بكثير مما دفع يسعى مجددا إلى الحصول على تراخيص والسيطرة على مؤسسات ووسائل أخرى ويضع واجهات جديدة لعمله.
خلافات المعارضة يا سادة يا كرام مهما بلغت ذروتها يمكن أن تنهك حراكا أو تقضي على مشروع سياسي... أما سلوكيات بعض أبناء الاسرة فتنهك نظاما ودولة.
كان الكويتيون يشتكون من سياسة شراء الولاءات فاذا بنا اليوم أمام سياسة شراء احقاد بعض أبناء الأسرة... السياستان فاشلتان، وعلى أصحاب الأسارير المنفرجة الباسمة الشامتة ان يقفوا على مكمن الخطر ويلتفتوا إلى حقول الالغام التي تنمو باضطراد خلف ظهورهم.