علي يوسف المتروك

قبل فترة سألت سفير دولة أجنبية ذات اهتمام بالبحرين عن معلوماته عن تدخل ايران في القضية البحرينية، فقال لي بالحرف الواحد: ليست لدينا أدلة على ذلك، وقد طلبنا من سلطات البحرين ان تزودنا بما لديهم من معلومات وأدلة، فنفوا ان يكون لديهم ما يقدموه لنا.
هذه الشهادة ليست صك براءة لايران الاسلامية، بقدر ما هو مدخلا لتنقية أجواء الحوارالتوافقي، الذي يجري حاليا بين الأطراف المعنية، ودحضا لما يردده البعض مما لا يعجبه استقرار البحرين، والزعم بأن هذا الحراك الشعبي مدفوع بأجندات طائفية، وأجندات خارجية، لا تمت الى مصلحة الوطن من قريب أو بعيد.
هذا الحراك الشعبي بدأ منذ بداية القرن الماضي، أي قبل قيام الجمهورية الاسلامية الايرانية بنصف قرن تقريبا، حين نفى الانجليز يومها زعماء المعارضة مرة الى جزيرة سيشل واخرى الى سانت هيلانه، وكان من ضمن هؤلاء المرحوم عبداللطيف الشملان الذي لجأ الى الكويت وسكن فيها، وعمل لفترة من الزمن في ادارة المعارف، كما تناسى هؤلاء ان المطالبة الشعبية بالمشاركة السياسية وصنع القرار، وتحسين ظروف المعيشة، وسيادة القانون، حق مكتسب للشعوب، وهي بالاساس مطالب انسانية وحضارية، لا تعود بالنهاية على المطالبين بها بل تنعكس على جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم، ومذاهبهم، وخلق وطن حضاري يعرف فيه كل فرد ما عليه من واجبات وماله من حقوق. وطن يرتفع الى مستوى دول العالم المتحضر، كما يعمق انتماء المواطن الى وطنه والاستعداد لافتدائه بكل ما يملك، واحتضانه والمحافظة عليه.
ان أخر وساطة قامت بها الكويت التي شغلت البحرين جلّ اهتمامها وحرصها على استقراره، هذا البلد الموغل بعمق التاريخ، والمضمخ بأريج وعبق التراث الأصيل، هذه الوساطة كانت من بندٍ واحد، وهي ان يتم الاتفاق على قيام مجلس منتخب يتم الاعداد له بشفافية وتوافق، ويناط به بعد قيامه جميع الاصلاحات المطلوبة، بعيدا عن التفاصيل التي تؤدي الى الاختلاف وتباين وجهات النظر، ومن ثم الى التأزيم، ولكن مع الأسف لم يلق هذا الاقتراح تجاوبا في حينها من المعنيين، ربما لظروف كانت سائدة لم تساعد على مناقشته أو الأخذ به.
لقد حصلت الوساطة الكويتية على الموافقة بوضع مادة في الدستور تجعل الحكم فيه للعائلة الخليفية المالكة كما هو معمول به في دستور دولة الكويت بحصر الحكم في ذرية مبارك الصباح، واي اعتداء وأي خرق لهذا الأمر هو خرق واعتداء على الدستور، ومن شأن هذه المادة ان تحصن قضية الحكم في مملكة البحرين وتجعله مرتبطاً دستوريا بالأسرة المالكة.وكان بالامكان ان تستمر تلك الوساطة ولكن جرت المياه بما لا تشتهي السفن.
أيها الأحبة في البحرين، بلد العلماء، والفقهاء، والمثقفين، والشعراء ليست هناك مسألة تستعصي على الحل، وكما ان الله سبحانه وتعالى جعل لكل داء دواء فقد جعل لكل مشكلة حلاً، وحث المسلمين على التعاون والتعاضد فقال سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وكل ما هو مطلوب لجنة حكماء من أهل الرأي والمشورة، يتجردون من كل شيء سوى مخافة الله ومصلحة هذا الوطن، لانتشاله مما هو فيه ضمن هذا الحوار التوافقي، فليس من المعقول او المقبول لدى اي انسان قلبه على وطنه وعلى ابناء البحرين ان يرى تلك الشوارع تمتلئ بالمتظاهرين نساء ورجالا وأطفالا ونرى مطاردات رجال الأمن لهم، وسحب الدخان والغازات تملأ أجواء البحرين التي عرفت بصفاء سمائها ودفء أجوائها.
كان بودي لو كنت قادرا ان أضع المتحاورين في غرفة واقفل الباب عليهم فلا يخرجوا الا باتفاق، فلقد وصل السيل الزبا كما يقول المثل، وحسب خبرتي واطلاعي واستماعي لكلا الطرفين فان الحلول ليست مستحيلة، بل تحتاج الى دفعة من هنا، وتحريك من هناك، اذا صحت النوايا واستنهضت العزائم الى الوصول الى ما يقود سفينة الوطن الى بر الأمان، فيعود لهذا البلد الطيب صفاؤه واستقراره.
فلنتفائل فلقد قالها قديما الزعيم المصري الراحل مصطفى كامل (لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة).