يوسف نور عوض

العالم كله يتطلع إلى ما يجري في سورية، ويمتلىء بالاستغراب والدهشة، كيف يسمح لحاكم أن يقتل سبعين ألفا من أفراد شعبه ولا يبدأ أحد في التحرك من أجل مواجهة هذا الموقف؟
رأينا في مناسبات كثيرة أن مسؤولين أو وزراء غربيين أثيرت حولهم بعض الفضائح ولم ينتظروا نتائج التحقيق بل تقدموا مباشرة باستقالاتهم، ولكن هذا الواقع لا يحدث في العالم العربي.
وكما نرى فإن المشكلة مع الرئيس بشار الأسد لا تكمن في كيفية التوصل معه إلى اتفاق بل تتجاوز ذلك إلى تحميله مسؤولية ما يجري في سورية، ذلك أننا لا نصدق ألا يكون الدمار أو القتل حقيقة في وقت يشهد فيه العالم بوسائله المتقدمة أن الأسد يرتكب جرائم حقيقية في حق شعبه وحق بلده الذي دمره بصورة يصعب معها إعادته إلى وضعه الطبيعي في فترة قريبة، ولو كان العالم في مرحلة الحرب الباردة لتفهمنا مواقف دول مثل روسيا والصين، ولكن العالم خرج من هذه المرحلة ودخل في مرحلة جديدة، ولا تستطيع هذه الدول أن تدعي أن لها مصالح اقتصادية مع سورية لأن الاقتصاد السوري في مجمله لا يؤثر في اقتصاد دول مثل الصين وروسيا، ومع ذلك سوف نتوقف لنعرف رؤية بشار الأسد لما يجري في بلاده، وسوف نتوقف عند بعض النقاط التي أثارتها صحيفة 'الصنداي تايمز' في مقابلتها الأخيرة مع بشار الأسد.
وكان السؤال الأول للصحيفة يتركز حول ما اعتبرته مبادرة حوار أطلقها الرئيس بشار الأسد ورفضتها المعارضة، وهنا قالت له الصحيفة هل أنت تمد غصن الزيتون للمعارضة الداخلية والتي قد يمكنك التفاهم معها ؟وعندها قال الرئيس بشار إنه قدم مبادرته لأولئك الذين يرغبون في الحوار لأنه ليس من المنطق أن تقدم مثل هذه المبادرات لأشخاص يرفضون فكرة الحوار. وهو لا يريد للحوار أن يكون بين مجموعة معارضة وحكومة، بل يريد للحوار أن يكون حوارا قوميا يشمل سائر أفراد الشعب، غير أنه لم يحدد طبيعة ذلك الحوار، بكون الثورة القائمة في سورية لا تنحصر في مطالب شعبية من النظام إذ هي ثورة تصنف النظام السوري على أنه نظام إرهابي ودكتاتوري ينبغي ذهابه من أجل فتح صفحة جديدة في التاريخ السوري، فهل الرئيس بشار الأسد على استعداد لأن يتفهم هذا الوضع في مجمله أم أنه فقط يريد أن يهدىء الخواطر من أجل أن يبدأ مرحلة جديدة لنظام حكمه يقوم خلالها بإلحاق عقوبات صارمة بالذين حاولوا اسقاط النظام، خاصة هو يطالب الثورة المسلحة بتسليم أسلحتها للنظام زاعما أن الكثيرين من أفراد هذه الثورة سلموا بالفعل أسلحتهم وحصلوا على العفو وتلك بكل تأكيد فرية يصعب تصديقها بينما يرى العالم كله ما يجري في سورية.
ومن جانب آخر يوجه الرئيس بشار الأسد نقدا إلى الحكومات الغربية التي يقول إنها لا تفرق بين المعارضة السياسية الموجودة دائما في البلاد وبين الإرهابيين الذين يحملون السلاح من أجل إسقاط النظام، وهو كما يدعي على استعداد لأن يفتح حوارا مع المعارضة السياسية، ولكنه ليس على استعداد لأن يفتح حوارا مع الذين يصنفهم على أنهم ارهابيون وهو لا يحدد طبيعة الحوار الذي يريده. غير أنه يرى أن المعارضة الداخلية تختلف مع الحكومة في بعض الأمور ولكنها تحتفظ بولائها للحكومة وليس هذا شأن المعارضة المسلحة من وجهة نظره ..
وعندئذ تدخلت 'الصنداي تايمز' وقالت للرئيس الأسد أنت دائما تصنف المعارضة على أنها مجموعة من الإرهابيين قد ينتمون لتنظيم القاعدة، ولكن ماذا تقول في الجنود الذين يهربون من قواتكم المسلحة وينضمون إلى المعارضة؟ وماذا تقول لأفراد الشعب العاديين الذين ينضمون للمعارضة ضد نظام حكمكم؟ وهنا يقول الأسد إن وصفه للقاعدة يشير إلى الذين يقومون بأعمال إرهابية، أما بقية أفراد المعارضة المسلحة فهم في نظره من المجرمين ومهربي المخدرات وهم يقومون بأعمالهم من أجل كسب المال ولا يمتلكون أجندة سياسية أو أيديولوجية، لكن الرئيس الأسد لا يحدد كيف يمكن لأفراد عاديين أن يعرضوا حياتهم للخطر على هذا النحو من أجل تحقيق مكاسب يمكن الاستغناء عنها، ويقول الرئيس الأسد إن ما يقوله لا يعني أنه ليست هناك معارضة، ولكن المعارضة تحقق أهدافها بالطرق السلمية والحوار، وتلك هي النقطة التي يدور حولها الرئيس بشار الأسد الذي لا يبدو أنه لا يفكر حتى الآن في كمية الدمار الذي ألحقه بشعبه وببلده.


وهو يريد من العالم الخارجي ألا يحاول فرض حلول على سورية بل يترك لشعبها أن يقرر بنفسه ما يريد، والسؤال المهم هو هل ترك بشار الفرصة لشعبه كي يحقق ما يريد؟
كذلك ذهب بشار الأسد إلى حد اتهام بريطانيا بأنها تمول عمليات الإرهاب في داخل بلده، وهو ما جعل وزير خارجية بريطانيا 'وليام هيغ' يقول إن هذا الدكتاتور المحاصر يظل على سدة الحكم بذبح أفراد شعبه. وقال 'هيغ' في مقابلة مع البي بي سي إن هذه هي أكثر الآراء وهمية يصرح بها رئيس في العصر الحديث
و قال 'هيغ' إن ما يحدث في سورية بدأ يشعل المنطقة كلها وإن بريطانيا لن تقف دون فعل شيء.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني 'ديفيد كاميرون' مقابلة الرئيس الأسد مع 'الصنداي تايمز' بأنها ساذجة ومضطربة وغير واقعية، وكانت بريطانيا قد صرحت بأنها ستقدم مساعدات غير مميتة للمعارضة السورية، كما قال وزير الدولة البريطاني إن ما يجري في سورية قد يؤدي إلى إعادة النظر في موقف الاتحاد الأوروبي من تسليح المعارضة السورية.
وكما يبدو فإن الأمر في هذه المرحلة لا يتوقف على موقف الدول الغربية مما يجري في سورية، ذلك أن المهم هو أن تدرك الدول الغربية كلها أن مرحلة الحرب الباردة قد انتهت، وأنه لن تحدث مواجهات بين الغرب وما كان يطلق عليه في السابق المعسكر الشرقي من أجل خلافات سياسية، والأفضل هو أن تتحرك الدول الغربية لإيجاد أرضية من التفاهم مع روسيا والصين من أجل وقف المجازر التي تجري في سورية وهي مجازر لا يستفيد منها أحد سوى نظام دكتاتوري لم تعد هناك حاجة إليه خاصة بعد سقوط الأيديولوجية التي كان يدعو لها ويكفي أن نعلم أن شاعرا كبيرا مثل نزار قباني توفي في المنفى دون أن يترك له المجال كي يعيش في البلد الذي أحبه.