تركي الدخيل

لم يكن الأديب والسياسي البريطاني اينول باول المتوفى في العام 1998 يجامل الإعلام عندما قال: المسؤول الذي يخاف الإعلام، مثل القبطان الذي يخاف من البحر.

لا يمكن لقبطان تنحصر مهنته في قيادة السفن أن يخاف البحر، أو أن يقضي ساعات ليله أو نهاره، في هجاء البحر، متحدثاً عن غدره، وقلة وفائه، أو حتى مشيراً إلى ما يسببه للبعض من دوار على أقل تقدير.

وهكذا المسؤول في أي إدارة كانت، في قطاع عام أو خاص، لا يستطيع العيش من دون التعاطي مع الإعلام.

مع تطور وسائل الاتصال، بات آحاد الناس، فاعلين بالإعلام، فأنت بمجرد ما تسمع عن حادث سيارة في شارع من شوارع مدينتك، في الأغلب الأعم، ستجد من صوره بهاتفه المحمول، وبثه على اليوتيوب، ووضع رابطه على وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، أو فيسبوك.

إن دخول العامة والأفراد ليصبحوا صانعين للمادة الإعلامية، ناقلين للأخبار، يعمق من أهمية الإعلام، ويزيد من قيمته.

هذه القيمة، تعني أن الإعلام قد يكون وسيلة للهجوم عليك، سواء أكان هذا الهجوم ينطلق من مبررات حقيقية أو أنه كان هجوماً لا أساس له، يقوم به بعض الحاقدين أو المبغضين!

ماذا يعني هذا التصاعد والتضخم في قيمة الإعلام، والارتفاع في نسبة المخاطر التي قد تنجم منه تجاه الأفراد أو المؤسسات أو الكيانات الحقيقية أو حتى الاعتبارية؟!

إنه يعني ان التعاطي مع الإعلام لم يعد ترفاً، بل أصبح ضرورة قصوى، يجب أن يتصدر لها الجميع، ويعاقرها الكل.

إن الإعلام مثل البشر، أشبه ما يكون بالكأس الفارغة، التي تنتظر من يملؤها، ومن يملؤها، إما أن تكون أنت، أو أن يكون غيرك.

إنه أشبه بالمثل الوارد في الأثر: لك أو لأخيك... أو للذئب!

وعندما يملأ الذئب الكأس الإعلامية، فلا تأمن خيانته، فهو ليس كلباً مشهوراً بالوفاء، كما مدح علي بن الجهم قبل تحضره أحد أصحابه بقوله:

أنت كالكلب في الوفاء

وكالتيس في قراع الخطوب!

ومن الأخطاء التي تعيق البعض عن التواصل الكافي مع الإعلام، رفضهم لواقع الإعلام الذي قد يكون سلبياً.

ومع إقراري الكامل، بأن في مهنتي التي لا أعرف غيرها، الكثير من السلبية، صنعناها نحن أبناء المهنة، بقلة احترافيتنا أحياناً، ولعدم التزامنا بالمعايير الأخلاقية أحياناً ثانية، إلا أن سوء الواقع لا يبرر بتاتاً عدم التعاطي معه، ومن استطاع أن يعيش بلا إعلام فليفعل... شريطة أن يضمن لي أنه في مأمن من غوائل السلطة الرابعة!