محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

تقول الأخبار القادمة من مصر: (قضت محكمة مصرية أمس بإعادة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود الذي عزله الرئيس محمد مرسي في نوفمبر- تشرين الثاني الماضي إلى منصبه وألغى الحكم تعيين النائب العام الجديد طلعت إبراهيم).

كان النائب العام السابق عبدالمجيد محمود مستقلاً تماماً، وكان يُمثِّل للجهاز القضائي المصري رمزاً من رموز استقلاله عن السلطة التنفيذية، وكان إبعاده بقرار من الرئيس مرسي قراراً تعسفياً بامتياز، حيث إن قانون السلطة القضائية نصَّ على عدم قابلية عزل النائب العام إلا بتقديمه استقالته أو في حالة وفاته أو بلوغه السن القانونية للتقاعد؛ كما أن تعيين (الإخواني) طلعت إبراهيم كان قراراً تجاوز فيه الرئيس العام كل القيم المعتبرة في تعيين النائب العام، والتي لم يجرؤ جميع رؤساء مصر السابقين على تجاوزها، ما جعل المؤسسة القضائية تقف هذا الموقف المُشرِّف، وتبُطل قرار الرئيس وتعتبره (منعدماً)، وتنزع من النائب الجديد (المعين) شرعيته، وتُعيد النائب العام الشرعي ليمارس صلاحيته بمعزل عن سيف وسياط ومؤامرات السلطة الإخوانية؛ سيما وأن هذا الحكم - كما علَّق أحد المتخصصين - يُعتبر: (حكماً واجب النفاذ والطعن عليه أمام دائرة رجال القضاء بمحكمة النقض لا يوقف تنفيذه). أي أن النائب العام عبدالمجيد محمود أصبح من حقه حكماً أن يُمارس صلاحيته رأساً بعد صدور الحكم، وفي المقابل يكون النائب العام (المعيّن) لا شرعية له.

ماذا يعني هذا التطور الذي وضعه هذا الحكم القضائي الجديد محل التنفيذ؟

الإخوان يعرفون أن بقاءهم مرتبط بنجاحهم اقتصادياً وتنموياً، وكل المؤشرات تقول إن فشلهم الاقتصادي هو الأرجح، وهم بلا شك يُدركون ذلك، لهذا وجدوا أن البقاء يرتبط بأخونة مفاصل الدولة والسيطرة عليها، ومن ثم استخدام من زرعوهم في مفاصلها من كوادرهم لفرضهم وإبقائهم بأية وسيلة، حتى لو اضطروا لتزوير الانتخابات في حالة الفشل؛ وأهم جهاز سيقف حجر عثرة في حال فشلهم، هو جهاز القضاء، لذلك لا بد من التحكم فيه، وتوظيفه لفرضهم إلى الأبد حكاماً لمصر، وتحويله - أي القضاء - إلى سوط يُجلد به كل من فكر أن ينافسهم من التوجهات السياسية الأخرى على حكم الدولة.

إبعاد محمود والإتيان بطلعت إبراهيم كان يُمثِّل قراراً مفصلياً يرتبط به بقاؤهم على سدة الحكم في مصر. وفي المقابل فإن إبطال هذا القرار واعتباره كأن لم يكن كما قضت بذلك (محكمة استئناف القاهرة) هو فشل - وإن كان مرحلياً- في مسيرتهم للسيطرة على مصر و(أخونتها) كما فعل الخميني عندما سرق ثورة الإيرانيين على الشاه، وسيطر على القضاء من خلال جلاده الشهير (آية الله خلخالي)، وجَيرّ مؤسسة القضاء في إيران إلى فصيله السياسي، وأقصى به كل من يُنافسهم من الفصائل الأخرى.

ماذا بيد الإخوان أن يفعلوا أمام هذا التطور؟

الخطوة الأولى ستكون من خلال محاولة نقضه من داخل الجسد القضائي المصري نفسه، والراجح أن نقضه بهذه الطريقة بعيد الاحتمال لقوة ومتانة حيثيات الحكم.

أما الخطوة الثانية فإن الإخوان سيلجؤون إلى الدستور الجديد ومقتضياته؛ وهو ما أشار إليه محامي الإخوان عبدالمنعم عبد المقصود حين أكد أن (الحكم - أي حكم محكمة الاستئناف - اصطدم في ظاهره بمادتين في الدستور المستفتى عليه (في ديسمبر) وهما تحديد ولاية النائب العام بأربع سنوات؛ وتحصين قرارات رئيس الجمهورية والإعلانات الدستورية التي صدرت خلال العامين الماضيين من الطعن أمام القضاء).

ومهما تكن الحجج القانونية للطرفين سواء الإخوان أو أضدادهم فإن الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في مصر تجعل قدرتهم على مواجهة القضاء وفرض ما يريدون (بالقوة) صعبة للغاية؛ محاولة فرضها يعني أنهم يستفزون الآخرين، ويضطرونهم للتحالف مع الفريق المناوئ لهم، وإذا توحّدت جميع الفصائل الأخرى ضدهم فإن سقوطهم - حتى قبل أن يُكملوا فترتهم الرئاسية - يكون هو الاحتمال الأقرب.

ما تقدَّم يجعلنا نطمئن إلى أن في مصر من المخلصين من سيقفون حجر عثرة في سبيل أن يُمرر الأخوان كوادرهم لأخونة الدولة وإقصاء الأطياف الأخرى والبقاء فيها حُكاماً إلى الأبد كما يُخططون.

إلى اللقاء