الصدر لم يوفّر أحدا في خصومته ، فقد هاجم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحكومته في أكثر من موقف وذهب إلى ابعد من ذلك حين زار كردستان العراق وسيطاً ومؤازراً لنائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي المطلوب قضائيا للحكومة العراقية في بغداد ، وفي موقف لافت اعتلى منصّة الخطابة في مدينة النجف مصرحا باعترافه بالخلفاء الأربعة وكان قبل ذلك قد انكر على معمّم متطرف تعرّضه لأم المؤمنين عائشة


الزعيم الديني ، و زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدريعطّل الشخصية (القديمة) ، وينطلق في أجندته السياسية بتأثيرات شخصية جديدة مُستَحْدَثة . هذا الانطباع ، يؤكده أيضا الكاتب فايز بن عبدالله الشهري وهو يتحدث عنإطارِ جديدِ يسوق بهالصدر ، صورته quot;كقائد متسامح quot; ، و ما صاحب ذلك من تصريحات سياسية ودينية جريئة أطلقها لتصب بقوة في نهر quot;الاعتدال والمصالحة مع السنة في تطور تأريخي غير مسبوقquot; .
سيرورة التحوّل هذه ، اســتغرقتْ نحواً من عدة سنوات ، على رغم ما عُرف به في الاعوام الاولى بعد 2003 ، كزعيم لأكثر الفصائل الشيعية مناكفة لجيش الاحتلال الأميركي لعراق ما بعد 2003 .
ويذكّر الشهري كيف ان معظم التحليلات في ذروة الصراع الطائفي بالعراق كانت تتّهمه وجيش المهدي الذي يشرف عليه quot;بارتكاب المجازر والقتل على الهوية ، لكن صورته كخصم شيعي شرس لقوات الاحتلال الأميركية كانت الأظهر مع فصائل سنيّة دوّخت الأميركيين في شوارع بغداد وبعض محافظات العراق quot;.
بل ان مواقف الصدر الجديدة quot;اغضبت المتطرفين من أبناء مذهبه وأثارت شكوك آخرين من غير مذهبه تبعا لتاريخه وتطرف مواقفه في الماضيquot;.
وبحسب الشهري في مقال له في جريدة ( الرياض ) السعودية ، فان quot; العراقيين لن ينسوا قيام الصدر وأتباعه مع بدايات الاحتلال الأميركي بالاستيلاء على مساجد لأهل السنة وبقيت معظمها تحت إدارة طائفته حتى اليوم متعللين أنها مراكز (وهابية) ، لا مساجد quot; .
وينبّه الشهري الى ان quot; الصدر لم يوفّر أحدا في خصومته ، فقد هاجم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحكومته في أكثر من موقف وذهب إلى ابعد من ذلك حين زار كردستان العراق وسيطاً ومؤازراً لنائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي المطلوب قضائيا للحكومة العراقية في بغداد ، وفي موقف لافت اعتلى منصّة الخطابة في مدينة النجف مصرحا باعترافه بالخلفاء الأربعة وكان قبل ذلك قد انكر على معمّم متطرف تعرّضه لأم المؤمنين عائشة quot;.
لكن المفارقة وسط هذه المواقف الوسطية الجديدة انه تلقى وسام الجمهورية من بشار الأسد quot; تثمينًا للمواقف الإيجابية للسيد مقتدى الصدر تجاه الأحداث في سورياquot; كما ذكر الإعلام السوري.
وفي محاولة لتفسير السلوك ( المتبدل) للصدر ، يذهب الشهري الى ان مواقف الصدر المشحونةquot;بالغلو المذهبي والتشدد السياسيquot; ، مردها quot; تاريخ أسرته المأسوي ليشكّل ذلك علامة فارقة في شخصيته وتكوين مزاجهquot;.
وكان والد الصدر وشقيقاه مؤمل ، و مصطفى ، قتلا على يد أجهزة صدام حسين الامنية العام 1999 ، واستطاع مقتدىالصدر من توظيف الحادثة ومكانة عائلته الدينية ليتحول بعد العام 2003 الى (كهنوت شعبي ) بين اوساط شيعة العراق ، أو بتعبير أصح انه وجد نفسه ( مُخْتَرَعاً ) من قبلهم ، بعدما كان مغموراً قبل هذا التاريخ .
ودخل مقتدى في حالة احتراب مع الأنظمة والتيارات المنافسة بعد العام 2003 حتى انه اتُّهم بأنه quot; وراء مقتل الزعيم الشيعي عبد المجيد الخوئي بعد ثلاثة أيام من عودته من منفاه للعراق العام 2003 quot;.
ويصعب في الوقت الحاضر ndash; بحسب الشهري ndash; وضع إطار ثابت لمواقف الصدر الجديدة ومنها تصريحاته الانقلابية على أعراف مذهبه ، في ظل الوضع السياسي العراقي المأزوم.
فهو ، وإن بدا ، يتّكئ على زعامة تحرص على ان لا تهدّد سلطتها أو تضعها موضع مساءلة أو مراجعة ، فان طلال الشهري يميّز ، حالة أخرى ، يتميز بها الصدر عن الكثير من قادة الشيعة ، فهو quot; اليوم الزعيم الشيعي (العربي) الأبرز في العراق فلعلّه يحاول بمذهبه أن ينتقم لعروبته على وضع (فارسي) همّش كل حضور عربي في عراق العربquot;.
بل ويحتمل الشهري ان الصدر حَسَم ، ربما ، جدليّة التناقض العراقي quot; فانتصر للدين على حساب المذهب، وللوطن على حساب الطائفةquot; .
الجانب الاخر من شخصية مقتدى الصدر ، هو ذلكم التشابه الذي يميزه الكاتب الكويتي طلال عبدالكريم العرب ، بينه ، وبين حسن نصر الله في لبنان، منها ان quot;كليهما يلعب السياسة محتميا بصفته الدينيةquot; ، والصفة الاخرى ان quot;كلاهما جمّع من حوله الاتباع بادعاء انتمائهم العائلي ، وليس بسبب عبقرية خاصة ، أو (كاريزما) جماهيرية طاغية quot; .
ويذهب طلال في تحليله للشخصيتين في مقال له في جريدة (القبس) الكويتية الى أن quot; كليهما يعتمدان على فكرة امتدادهما في النسب الى الاصل المقدس الراجع الى بيت النبوة ، اضافة الى انهما يعتمدان في خطابهما على الاثارة الجماهيرية ، فأتباعهما يقفون امامهما مشدوهين ، لا حول لهم ولا قوة ، أمام quot; هالة دينية صنعتها لهما تلك الاسباب quot; .
ويُبرِز طلال صفة اخرى تجمع بين ( الزعيمين ) ، فهما quot; يعتمدان على اموال تغدق عليهم بمئات الملايين من دولة خارج حدودهما و يدينان بالولاء والصعود الى القمة لغيرهما. فلولا الدعم السوري والايراني وتهيئة الظروف وإزاحة الخصوم لما قامت لحسن نصر الله قائمة، ولولا سقوط صدام على ايدي الاميركيين ، ولولا الدعم الايراني لاحقا لما سمعنا بمقتدى الصدر quot;.
و وجْه الشبه الآخر ان quot;كليهما كوّن ميليشيا مسلحة من اجل الضغط على باقي القوى السياسية، وفرض اجندتهما عليها، أما أخطر ما في الأمر ، ان كليهما يدينان بالولاء لإيران ، وينفذان خططها في هذين البلدين العربيين quot;.
وفي ما يتعلق بمصادر ثقافتهما السياسية والدينية ، فمن المعروف ان الصدر وُلِد ونشأ وتعلم في النجف ، وحسن نصرالله ، غادر أواخر العام 1976 إلى النجف للالتحاق بحوزتها العلمية، وهناك تعرّف إلى القيادي الشيعي، عباس الموسوي، من منطقة البقاع في لبنان، الذي أصبح أستاذه وملهمه.
وفي العام 1978 ترك نصرالله العراق ، وواصل دراسته في الحوزة الدينية في بعلبك، وعاود نشاطه السياسي والتنظيمي في حركة أمل في منطقة البقاع، حيث عُيّن في العام 1979 مسؤولا سياسياً للبقاع ، وعضواً في المكتب السياسي للحركة.
ويُلفِت الكاتب فهد السلمان ، الى ان أكثر ما كان حسن نصرالله يُقدم به نفسه ، كونه quot;مرجعا دينيا قبل أن يكون زعيماً سياسياً، وأنه بالتالي لا يلقي الكلام على عواهنه، لأنه يضع مصداقيته أمام جمهوره في المقام الأول quot; .
وكلام السلمان ، بشأن نصر الله ينطبق ايضا على مقتدى الصدر ، في سلوكياته السياسية ( المُسْتَحْدِثة ) ، اذ بدا حريصاً اكثر من ذي قبل ، على عدم اطلاق الكلام على عواهنه كما في بدايات العام 2003 ، بل ان نبرة الاعتدال ،هي الصفة الغالبة اليوم على تصريحاته.
لكن الكاتب محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ ، يتناول في رأيه الصفة الغالبة على سلوك نصر الله، وكثيرون حوله، ممن quot; يعتقدون أن رابطة المذهب أهم من الرابطة الوطنية، فهم كأي حركة أيديولوجية أخرى لا يسعهم إلاّ (السمع والطاعة) لمن ينتمون إليه أيديولوجيا quot;.