احمد عياش


عندما تقترح قوى 14 آذار في مشروعها الانتخابي مع الحزب التقدمي الاشتراكي ان يُلحق quot;الغيتوquot; الشيعي في بعبدا بجبل لبنان الشمالي ذي الاغلبية المارونية لإراحة النائب وليد جنبلاط من ثقل هذا quot;الغيتوquot;، ترد 8 آذار بالسلاح نفسه فتقترح الحاق quot;الغيتوquot; الشيعي في بيروت الثانية ببيروت الاولى المسيحية لإراحة النائب ميشال عون الذي يتكل على الصوت الشيعي في لبنان عموماً وبيروت خصوصاً. بصرف النظر عن صوابية موقف 14 آذار وردة فعل 8 آذار أو عدمها، فإن المعنى الواضح والجلي في هذا الامر ان الطائفة الشيعية التي كانت في تاريخها عابرة للطوائف اصبحت اليوم في ظل قيادة quot;حزب اللهquot; راعبة لها،علماً ان سمعة البيئة الانتخابية المغلقة كانت لحزب الطاشناق الارمني فجاء من ينافسه ويتفوق عليه بأشواط. لا يحتاج المرء الى جهد لشرح الاسباب التي أدت بالطائفة الشيعية الى هذه الحال والتي تعود الى نحو ثلاثة عقود عندما بدأت القدرة المادية لـquot;حزب اللهquot; تتراكم بدعم مطلق من الجمهورية الاسلامية الايرانية وسط انهيار الدولة في لبنان بدءاً من العام 1975.

وفي هذا المسار من النشوء والتطور شن الحزب حرب الالغاء الاكبر من نوعها في تاريخ لبنان الحديث بدأت في المناطق الشيعية من الجنوب الى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت فأزال من الوجود نفوذ الزعماء التقليديين كآل الاسعد وآل حمادة وأنزل المصير نفسه بالقوى الليبرالية واليسارية متوسلا اغتيال شخصيات بارزة لا سيما في الحزب الشيوعي مثل العالم الكبير حسين مروة والمفكر المرموق حسن حمدان (مهدي عامل). ثم أخضع الحزب حركة quot;أملquot; التي أسسها الامام موسى الصدر بعد حروب طاحنة أزهقت ارواح الآلاف لتصبح الحركة بقيادة نبيه بري تابعا أمينا لا ترد للحزب طلباً. وبعد إخضاع الطائفة بعلمانييها ومتديّنيها، بدأ حزب ولي الفقيه الايراني أخضاع لبنان وتحديداً منذ العام 2005، فكانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي اتهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من الحزب بارتكابها، أشارة الانطلاق الكبرى في مخطط بسط السيطرة على لبنان. لكن الثورة العارمة التي فجّرها اغتيال الحريري غيّرت مسار المخطط بعدما فرضت على الرئيس السوري الحالي بشار الاسد انسحاب جيش الوصاية من لبنان. وخلال تغيير المسار جرّ quot;حزب اللهquot; لبنان عام 2006 الى حرب ضد اسرائيل كانت الغاية من ورائها تحويل لبنان قطاع غزة ايرانياً فلم ينجح.ثم جرّ لبنان الى مشروع حرب أهلية في 7 أيار 2008 فنجح جزئياً في اتفاق الدوحة الذي مكّنه من الاستيلاء على بعض قرار حكومة لبنان في عهد الرئيس سعد الحريري وكليا في عهد الرئيس نجيب ميقاتي.


ان quot;حزب اللهquot; المنغمس اليوم في حرب سوريا يمر بحالة انحدار. لكنه يجهد لاحتفاظ بمكاسب حالة النشوء والارتقاء وهو أمر مخالف للطبيعة. لهذا يعقّد مهمة الرئيس المكلف تمام سلام تشكيل الحكومة ويعرقل عملية اجراء الانتخابات النيابية. انه باختصار حالة اعتراضية لا فرضيّة وهذا علامة نهاية مرحلة مشروع السيطرة الايرانية على لبنان.