يوسف الكويليت

جندي من نظام بشار يرفع علامة النصر على قرية قرب القصير، ويغرس علم الدولة الرسمي في ظاهرة لم نعهدها في أي بلد بالعالم، وهذا دلالة أن النظام يعطي الحقيقة أنه بهذا التصرف غير شرعي، وكأنه أحد الغزاة، والتاريخ لن يرحم حين يكتب وفق تسلسل الأحداث والتجاوزات والأدوار التي قامت بها القيادة أو من هم خلفها، ويدونها للأجيال.

العدوان الثلاثي الجديد من روسيا وإيران والعراق، شبيه بعدوان دولي أكبر على مصر عام ١٩٥٦م والفارق أن تلك المرحلة، هي بقية الاستعمار المباشر ولكنها فشلت لأن القوى الزائلة أعطت المفاتيح للقوى القادمة. ومن يخططون لأن تكون سوريا ولاية إيرانية، أو حلقة في الجمهوريات الروسية، يعلمون أن كل من اعتمد على استراتيجية القوة بمحاربين على غير قناعة بجدوى الحرب، تأتي ضغوط المشاعر بقبول الهزيمة ذاتياً، وقد جربتها دول كبرى عاشت وهم الهيمنة العسكرية، وخرجت منها بأذرع مقطوعة، وعودة لطاولة المفاوضات للإقرار بالهزيمة، والتوقيع عليها..

سوريا ليست مفصل الحدث في المنطقة وحدها، فهي خط نار بدأ ساخناً بين المتعاركين من الشرق والغرب داخل الغرف المغلقة في الحوار الدبلوماسي، وقد تنتقل إلى ورطة عسكرية بينها من خلال طرفي النزاع في الداخل السوري، وقد تتطور، وفقاً للإشارات الأمريكية أن تقوم قواتها بحظر جوي على مواقع مختارة، وهنا ماذا سوف يكون عليه المشهد، هل يتدخل الروس بالنزاع مباشرة، وتصبح المسألة أكثر تعقيداً، أم تكتفي بمد النظام بأسلحة أكثر تقدماً، لكن هناك خصم آخر أي إن إسرائيل هددت بأنها سترد لمجرد وصول صواريخ اس ٣٠٠ بما تراه حقاً في حماية أمنها، وبالتالي لن يكون مجال للدبلوماسية، إلاّ بإلحاق الأذى والضغط على القوى التي دخلت الميدان مباشرة، أو من خلف المتحاربين، لتتحدد المسافات المفتوحة بخطوات أخرى، إما القبول بالحل المشترك، أو الذهاب إلى النهايات غير السعيدة..

نعرف أن مراكز البحوث، والتقديرات التي تعطيها دوائر الاستشارات لصانعي القرار في الدول المهتمة في الشأن السوري، سوف يكون لها رؤى وأفكار تبنى عليها جميع الاحتمالات بالفشل والنجاح، لكن ماذا لو اعتمدت كل من بريطانيا وفرنسا الوفاء بالتزاماتهما تزويد الجيش الحر بالأسلحة المتقدمة، وقبل المهلة المطروحة، وما رد الفعل الروسي الإيراني، وكيف ستكون عليه الصورة بداعمي النظام عسكرياً ومادياً، ومن يدعمون الجيش الحر وخاصة من دول المنطقة، وتحديداً الروس، والإيرانيين، مقابل دول الخليج وأوروبا وأمريكا؟

أن تسقط سوريا بقبضة إيران - روسيا أمر لا تسمح به الأطراف المضادة لأن الرهان سيكون على أمن المنطقة كلها، وحتى مسألة استغلال انشقاق المعارضة السورية وتباين المواقف بين الدول العربية، وانشغال الأخرى، بربيعها وذيوله المكلفة، فإن القضية سوف تكون حالة نزاع وجود، وحتى الغرب لن يقبل أن تتأسس قاعدة للاعبين آخرين في منطقة يعتبرونها تاريخياً في نطاق أمنهم ونفوذهم وعلى هذا الأساس فإن المعركة قد تتجاوز الوضع الراهن إلى حالة إشعال المنطقة كلها، وهذه المرة بإرادة دول ستتعالى مصالحها على أي أمر آخر؟!