بيروت

تفاقمت المخاوف في لبنان من انفلات حبل الأمن واتساع الاضطرابات المتنقلة في ظل جولة الاشتباكات في طرابلس التي غالباً ما تنذر كل جولة جديدة فيها بتصعيد لا يرتبط بواقع الاهتراء الأمني في عاصمة الشمال فحسب بل بمعارك سياسية ومذهبيّة وأمنيّة أوسع نطاقاً تخاض فيها بالواسطة.


وإذ بدا لافتاً في هذا السياق بيان أصدره الرئيس سعد الحريري في ساعة متقدمة مساء الاثنين وتضمّن نبرة حادة في دعوته الجيش إلى حسم الموقف في طرابلس وتحميله ضمناً مسؤولية التقاعس عن هذا الحسم، قالت مصادر معنية بالوضع المتدهور في المدينة ان موقف الحريري جاء عقب معطيات تشير إلى نية واضحة لدى الجهات الموالية للنظام السوري في جبل محسن (ذي الغالبية العلوية) في تصعيد الموقف الميداني واستثارة الجماعات السنية المسلحة في باب التبانة نحو تصعيد مقابل وهو ما بدأ يحصل فعلاً، لافتة في هذا السياق إلى ان هذه الخطة انكشفت من خلال ممارسات القنص الكثيف الذي شلّ المدينة واوقع اكثر من ستة قتلى ونحو 40 جريحاً والذي كان معظم مصادره من جبل محسن. وقد أدى التصعيد إلى توتر شديد بين الجيش والجماعات المسلحة في باب التبانة التي تأخذ على الجيش عدم تصديه لمسلحي جبل محسن وتعرض الجيش بدوره لاعتداءات على ايدي الجماعات المسلحة ادت إلى سقوط اربعة جرحى في صفوفه.
وما عزّز المخاوف من ان تكون عاصمة الشمال مقبلة على انفجار جولة العنف رقم 17 بين باب التبانة وجبل محسن منذ العام 2008 خروج اجتماع لجنة المتابعة المنبثقة من لقاء نواب طرابلس بعد اجتماعهم بمنزل النائب محمد كبارة (من كتلة الحريري) ببيان شديد اللهجة وغير مسبوق في حدّته اتّهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمؤسسة العسكرية laquo;بالتواطؤ مع النظام السوري - الايراني عبر العصابة المجرمة المتحصنة في ثكنة الاسد في جبل محسنraquo;، داعين اياهم إلى laquo;تحمل المسؤولية وإثبات العكسraquo;، ومحدداً مهلة 48 ساعة للجيش لردع القنّاصة من جبل محسن والردّ عليهمraquo; ومعلناً ان laquo;اي تهاون تجاه طرابلس سيجعل الامور بعد 48 ساعة خارجة عن سيطرة الجميع وطرابلس ستكون مضطرة للدفاع عن نفسها هي التي اشتهرت بانها لا تسكت عن ظلم ولا تقبل أي إذلالraquo;.
واذ اعلن كبارة باسم المجتمعين laquo;طفح الكيلraquo;، لفت إلى انه laquo;لم يعد جائزاً ان تبقى طرابلس رهينة العصابة المجرمة في جبل محسن والرسائل الدموية التي يريد (الرئيس السوري بشار) الاسد تمريرهاraquo;، مؤكداً: laquo;طالبنا مراراً الرئيس سليمان وقائد الجيش والسلطة السياسية بوقف المؤامرة على طرابلسraquo;.


وفيما انعقد مجلس الامن المركزي قبل ظهر امس للنظر في ما يمكن اتخاذه من اجراءات جديدة لمواجهة الانفجار الاوسع في عاصمة الشمال التي شهدت نهاراً استمرار عمليات القنص المتقطعة التي ادت إلى وقوع جريحين، وسط اعلان وزير الداخلية مراون شربل laquo;أن المقاتلين خرجوا عن أوامر بعض السياسيينraquo; راسماً معادلة laquo;إذا أردتَ ان تعرف ماذا يجري في طرابلس عليك أن تعرف ماذا يجري في سوريةraquo;، سادت مخاوف واسعة من مضي البلاد تدريجاً نحو متاهات التوتير الامني في وقت لا تظهر معه اي ملامح واضحة في أفق الأزمة السياسية التي ازدادت تلبداً بعد التمديد لمجلس النواب لمدة سنة وخمسة اشهر يوم الجمعة الماضي.
وأكدت أوساط سياسية واسعة الاطلاع لـ laquo;الرايraquo; ان الجمود سيحكم الوضع السياسي من الآن وحتى إصدار المجلس الدستوري قراره في الطعنين بقانون التمديد اللذين قدمهما سليمان وتيار العماد ميشال عون لابطال التمديد. وقالت ان كل ما يساق في شأن الحكومة الجديدة يبدو سابقاً لأوانه لان البحث في الملف الحكومي بعد قرار المجلس الدستوري سيتخذ طابعاً مختلفاً تمام الاختلاف عن المرحلة الحالية وليس هناك اي مؤشرات ايجابية في افق هذا الملف تحمل على توقع انفراج سريع بل ان بوادر التعقيد تتزاحم على طريقه وهي مرشحة للتفاقم.


وتوقفت هذه الأوساط عند اشارتين سلبيتين على هذ الصعيد:


* بوادر الأزمة المتصاعدة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري عقب التمديد والتي ستشكل بدورها عامل تعقيد اضافياً للأزمة الحكومية علماً ان هذه الأزمة بدأت تتحول إلى سجال اعلامي علني من شأنه ان يستقطب توتراً بين فريق 8 مارس بمجمله والرئيس سليمان.


وتوقعت الاوساط ان يتولى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وساطة بين قصر بعبدا وعين التينة لتبديد الازمة لان استمرارها سينعكس سلباً على جهود تشكيل الحكومة الجديدة والتسبب بمزيد من عرقلة مهمة الرئيس المكلف تمام سلام، علماً ان زوار بري نقلوا عنه بعد الانتقادات التي وجهها سليمان إلى البرلمان: laquo;انا من موقعي لم أقصر وبذلت كل ما في وسعي للتوافق (على قانون للانتخاب) وقمت بكل مسؤولياتي ولا أريد شهادة من أحدraquo;. وردّ على laquo;المتباكين على الديموقراطيةraquo; قائلا: laquo;ما نفع الفوز بقانون وأن نخسر وطناً؟ وهل الحفاظ على الوطن أسلم أم اجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف المضطربة وغير المطمئنة؟raquo;، مذكراً بان laquo;هذا المجلس هو الذي انتخب رئيس البلادraquo;.


* اما الاشارة الثانية فتتمثل في التحذير الذي أطلقه عضو القيادة القومية في laquo;البعث السوريraquo; النائب في البرلمان اللبناني عاصم قانصوه رداً على اعلان اطراف عدة في 14 آذار رفضها مشاركة laquo;حزب اللهraquo; في الحكومة الجديدة على خلفية تورطه في معركة القصير، اذ اعلن laquo;ان تأليف حكومة دون مشاركة laquo;حزب اللهraquo; فيها معناه على الدنيا السلام. خربت الدني. وأنّ المعركة فُتحت بين الطريق الجديدة (احد معاقل laquo;تيارالمستقبلraquo; في بيروت) والضاحية الجنوبية (معقل laquo;حزب اللهraquo;)raquo;.


وتبعاً لذلك، أوضحت الاوساط السياسية الواسعة الاطلاع ان ثمة فترة مبدئية تراوح بين الاسبوعين والثلاثة اسابيع في انتظار ما سيصدر عن المجلس الدستوري ستشكل فرصة لطرح كل الاحتمالات عبر المشاورات التي سيجريها سلام في صدد تأليف الحكومة بما يبلور الخيارات التي سيسلكها هذا الملف. ولكن الاوساط نفسها لم تخف خشيتها من تطورات امنية سواء في الداخل او على جبهة الانعكاسات السورية على لبنان من شأنها في اي لحظة ان تضع لبنان امام مزيد من الأفخاخ والانزلاقات الأمنية بما laquo;يحصّنraquo; من جهة laquo;حيثياتraquo; التمديد وبما يجعل من الصعب من جهة اخرى رسم خط بياني واضح لمسار تأليف الحكومة.