محمد السمّاك
يهتم العالم بالبحث عن جواب على السؤال التالي:
ماذا بعد انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي- من أفغانستان؟!. هل يشكل الانسحاب فرصة أمام حركة طالبان للإنقضاض على السلطة من جديد؟. واذا حدث ذلك فما قيمة كل التضحيات البشرية والتكاليف المالية التي انفقت منذ عام 2001 حتى الآن؟
من الصعب تصور قيام تفاهم بين طالبان والرئيس الأفغاني الحالي حميد كرزاي. ومن المستحيل تصور قيام وضع يمكّن كرزاي من لي ذراع طالبان بعد الانسحاب. فما عجزت عنه القوات الأميركية وادارتا جورج بوش وباراك أوباما، لن يقدر عليه رئيس تعتبره طالبان عن حق أو عن غير حق- عميلاً وخائناً.
ومع صعوبة هذا التصور، فان السؤال الذي يفرض نفسه هو: أي أفغانستان ستقوم بعد الانسحاب في العالم التالي 2014؟
يفرض هذا السؤال نفسه في ضوء التصدع الخطير الذي تتعرض له العلاقات الاسلامية الاسلامية على خلفية تطلعات إيران السياسية ومحاولات استقطابها للمسلمين الشيعة استناداً الى نظرية quot;ولاية الفقيهquot;.
ففي شرق أفغانستان وباكستان معاً، تتجمع عشائر الهزارة، وهي قبائل تتحدث الفارسية وتدين بالمذهب الشيعي. وقد شكلت هذه القبائل فصائل مسلحة بدعم ومساعدة من ايران. ورغم ان اي صدامات على خلفية مذهبية بين الهزارة والقبائل الأخرى لم تقع، الا ان الصدامات المذهبية التي وقعت في العمق الباكستاني وخاصة في مدينتي كيتا ولاهور وحتى في كراتشي، تركت آثاراً سلبية على العلاقات الاسلامية الاسلامية في أفغانستان. إضافة الى ذلك وقعت صدامات دامية بين ايران وعشائر باكستانية مجاورة لها على خلفية مذهبية ايضاً.
لا شك في ان لإيران طموحات للهيمنة على أفغانستان، كما هيمنت على العراق بعد الانسحاب الأميركي ؛ فهل تقدم الولايات المتحدة لإيران مرة ثانية الهدية التي تطمح اليها؟ وماذا يكون رد فعل الباكستان؟.
هناك مخاوف من تعريض الدولتين (الباكستان وأفغانستان) الى التقسيم والتجزئة على خلفية قبلية ومذهبية وعنصرية. ففي الباكستان توجد مجموعة من الأقليات تعاني من ارتفاع موجات الأصولية المتشددة التي يمارسها بعض الحركات السياسية الاسلامية مثل طالبان وquot;اشقر طيباquot;. وقد أعلنت حركة quot;اشقر حانفغليquot; عن مسؤوليتها عن اعمال التفجير التي استهدفت حسينيات للشيعة في كيتا، والتي رد عليها الشيعة بأعمال مماثلة استهدفت مساجد في لاهور وكراتشي.
ومن هذه الأقليات أيضاً، الهندوس، والسيخ في جنوب شرق البلاد، والبهائيين والقاديانيين في الشمال والوسط.
ويبدو ان اثارة النعرات المذهبية والعنصرية والدينية مقصودة في حد ذاتها لإعادة النظر في خريطة الدولتين معاً، على النحو الذي تستدرج اليه منطقة الشرق الأوسط ايضاً.. خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق.. وغداً من أفغانستان !!
تراهن ايران على ان الولايات المتحدة تعبت من التورط مباشرة في حروب اقليمية. فحربا أفغانستان والعراق استنزفتا ليس فقط القدرات المالية الأميركية، ولكنهما استنزفتا قدرة الرأي العام الأميركي على تحمل المزيد من الخسائر البشرية ومن سوء السمعة. وفيما تعد إيران نفسها لتوظيف هذه الحالة في أفغانستان، فان أوضاع باكستان الداخلية لا يبدو انها تسمح لإيران بأن تتمتع بمثل هذا الطموح السياسي.
لقد تركت الولايات المتحدة لايران مسؤولية تصفية قوى quot;الجهاديينquot; الذين وفدوا الى العراق لمقاتلة قواتها المحتلة. وقد تترك لها أيضاً مسؤولية التصدي لحركة طالبان التي تستعد لتحويل الانسحاب الأميركي العسكري من افغانستان الى هزيمة أميركية سياسية. ولكن لا بد من إيجاد مبرر ما للاندفاع في هذا الاتجاه الخطير. والمبرر الوحيد الذي هو في متناول اليد.. الفتنة المذهبية.
غير ان ثمة اتصالات تجري تحت الطاولة بين إيران وحركة طالبان على قاعدة ان الاميركي هو عدو مشترك. ولكن هذا المشترك سوف يزول ويتلاشى بعد الانسحاب!! وفيما تحقق هذه الاتصالات تقدماً ملحوظاً في الوقت الراهن، فان الاتصالات التي تجري فوق الطاولة بين طالبان والولايات المتحدة تتعثر باستمرار. وفي ذلك مؤشر ليس فقط الى سلامة جسر التواصل الموقت بين ايران وطالبان، ولكنه مؤشر أيضاً الى ان تجربة ايران في العراق يمكن أن تستنسخ في أفغانستان أيضاً.
ان من طبيعة الأشياء ان الجماعات العرقية أو الدينية أو المذهبية تتجه نحو المزيد من التضامن والتعاون فيما بينها عندما تواجه تهديدات وأخطاراً. ويتجاوز هذا النوع من التضامن والتعاون الحدود السياسية التي تفرّق بين هذه الجماعات، كما تتجاوز البعد الجغرافي الذي يباعد بينها. فهي تعيد فهم نفسها وتعيد صياغة أوضاعها وتعيد تحديد سلم أولوياتها وخياراتها والتزاماتها وفقاً للمخاطر التي تواجهها وللتجارب التي تمر بها. فالتحديات المشتركة تدفعها نحو المزيد من التكاتف والتعاضد حتى على حساب ولاءات او انتماءات محلية أخرى. فلا الحدود السياسية ولا الانتماءات الوطنية تشكل عائقاً في طريق مثل هذا النوع من التحول.
وفي عالم اليوم الذي تساقطت فيه الحدود، وتقاربت فيه المسافات وأصبحت صورة الحدث -أيّ حدث- في متناول كل انسان، لحظة وقوعه، في مثل هذا العالم، لم تعد هناك قضية محلية، خاصة اذا كان لهذه القضية بعد ديني او عنصري او مذهبي. فهي سرعان ما تتحول الى قضية عالمية. فجرائم جماعة بوكو حرام في نيجيريا مثلاً او تدخل حزب الله في الحرب في سوريا، تتردد أصداؤها من أندونيسيا حتى المغرب. وهذا التردد لا يقف دائماً عند حدود المعرفة بالشيء، ولكنه غالباً ما يتعداه الى ردود فعل ذات مضمون انتقامي ممن لا ناقة لهم ولا جمل في أي من هذه الصراعات.
يوحّد قبائل الهزارة الشيعية وبقية القبائل الأفغانية الاسلامية الأخرى، العداء للاحتلال الأميركي ورفض هيمنة حركة طالبان من جديد. ولقد ذاقت هذه القبائل جميعها الأمرّين من كليهما وعلى مدى سنوات طويلة. ولكن هذا الموقف المبدأي المشترك، معرّض للسقوط أمام التشرذم المذهبي الذي يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم. حتى ان الحل الوحيد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان هو الحل العراقي، أي التشتت والتشرذم على خلفيات عنصرية ودينية ومذهبية !!
واذا حدث ذلك فانه يؤشر الى دخول المنطقة كلها في دوامة صراعات وحروب لا يعرف سوى الله متى وكيف تنتهي. لعل في ايران من يرى في مثل هذا الوضع فرصة مؤاتية لدفع مشروع الهيمنة قدماً الى الأمام. ولكن أليس في إيران من يرى فيه خطراً يهدد وحدة فسيفساء المجتمع الإيراني أيضاً؟ إذ ماذا ينفع إيران إذا هيمنت على جوارها وخسرت نفسها؟
التعليقات