علي حسن الشاطر


تقترن عملية ازدهار الديمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات بعملية التنمية، فكلما توسعت رحابة الديمقراطية تمكنت عجلة التنمية من تحقيق المزيد من الدوران، خاصة وأنه لم يعد من المقبول في عالمنا المعاصر أن تكون هناك حياة بدون ديمقراطية؛ لأن التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة تشترط لتحقيق التنمية والنهوض إشاعة مناخات الديمقراطية والعمل على ترسيخ هذا النهج الحضاري في واقع حياة الشعوب، وأن تتكاتف كل الجهود الوطنية للوصول بالديمقراطية نحو أهدافها وغاياتها السامية، وفي التجربة الديمقراطية الوليدة في اليمن سيجد المتابع بأنها كانت تخطو الخطوات الواثقة، وتحقق مزيداً من النجاحات في خضم التفاعلات السياسية الرسمية والحزبية والشعبية، فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن منذ أول انتخابات عامة بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في ال22 من مايو عام 1990م تجذرت نماذج رائعة للممارسة الديمقراطية؛ باستلهام المبادئ العامة للديمقراطية الحقيقية، تفاعلاً بالممارسة المسؤولة والصحيحة، وانتخاباً بالمشاركة الشعبية في صنع القرار، وتجسدت في التعددية الحزبية والسياسية وحرية الصحافة، واحترام الرأي والرأي الآخر، واحترام حقوق الإنسان والمرأة، إلى جانب الانفتاح الاقتصادي، وإحداث التنمية، وبالتالي التفاعل الخلَّاق مع ما تقتضيه ضرورات التغيير نحو الأفضل وتلبية متطلباته التي تصب جميعها في المزيد من الديمقراطية المتجردة من الزيف والبهتان والمظاهر المخادعة والكاذبة.

اليمنيون في الظروف الراهنة بحاجة إلى أن يتجهوا للعمل الجاد والدؤوب على أن لا تظل الديمقراطية حبيسة المصالح النفعية، وغنيمة يتقاسمها أصحاب النفوذ الذين ظلوا عقوداً مهيمنين على مقدرات الوطن، وموجهين لقناعات المواطنين إلى ما يُلبي رغباتهم الأنانية في السيطرة والهيمنة، سواء أكانوا أحزاباً وتنظيمات سياسية أم قوى اجتماعية قبلية مسكونة بنزعات التسلّط والاستئثار وعرقلة جهود بناء الدولة، الأمر الذي يفرض تخطي العثرات والعقبات ومحاولات الانحراف بالمسار الديمقراطي من قِبل أولئك المنغمسين في النرجسية وحب الذات، وأن يفهم الجميع معنى وحقيقة الديمقراطية فهماَ مستوعباً لحقائق الواقع ومتطلبات النهوض الحضاري المنشود وتطلعات المستقبل، والاقتناع بأن الديمقراطية مرة وحلوة في آن معاً، وأن الأسوأ منها هو عدم وجودها، وأنه في ظل الديمقراطية يجب أن لا تضيق الصدور بالنقد البنَّاء والمسؤول، وبما تفرزه الإرادة الشعبية الملتزمة بخيارها الحر من نتائج قد تكون مرضية لطرف ومزعجة لطرف آخر، وأن الديمقراطية مدرسة يجب أن يتعلم منها الجميع، والابتعاد عن الكبرياء والأنانية وحب الذات، وتحتم تغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية، فالإنسان الذي يشعر بمسؤوليته الوطنية عليه أن ينظر أولاً إلى ما حوله وأن يقتنع بأن الآخر ليس عدواً له مهما اختلف معه في الفكر والرأي وأساليب الممارسة التي يجب أن تكون نابعة من الحرص على الوطن ومصالحه العليا، فلكلً وسيلته وطريقته في التعبير عن ذلك الحرص الوطني العام، أو في الوصول إلى هذه الغاية.

إن مبدأ القبول بالآخر هو الضمانة للمشاركة الجمعية في الحفاظ على تماسك المجتمع، وترسيخ الديمقراطية بصورة صحيحة ومسؤولة بعيداً عن محاولات جعلها مغنماً فتصبح مطمعاً، أو مُلبية للأهواء والرغبات فتصبح هزيلة وبعيدة عن أهدافها السامية وغاياتها النبيلة، ولهذا فلابد من القبول بالديمقراطية بإيجابياتها وسلبياتها، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة للفرد أو الجماعة والأحزاب المتفردة بالمغانم والمكاسب على حساب تشويه الديمقراطية وإجهاضها والتأثير على مستقبلها، وجعلها غير ذي جدوى وبمثابة جسر مرور لتحقيق الأطماع والمطامح الشخصية والذاتية، ووسيلة للمساومة بها وإبعادها عن هدفها السامي بأنها مشروع نهج حضاري للوطن كله.