محمد نور الدين
هل وصلت ما يسمى ب"عملية الحل" داخل تركيا بين الدولة وحزب العمال الكردستاني إلى نهايتها المتوقعة بالفشل؟
كل المؤشرات تشير إلى ذلك بعيد التطورات في سوريا، ومحاصرة مدينة كوباني الكردية، والسعي لإسقاطها من جانب تركيا عبر مقاتلي ما يسمى بتنظيم "داعش" .
غزا "داعش" العراق بعدما سيطر على مساحات من سوريا . وفي غمرة الكلام على الإرهاب وتشكيل التحالف ضده بعد مؤتمر جدة في 11 سبتمبر/ أيلول ،2014 قفزت فجأة إلى صدارة العناوين مسألة محاصرة "داعش" لكوباني أو عين العرب، ومعها المسألة الكردية في تركيا، ومعها أيضاً وأيضاً النظرة التركية لمجمل الوجود الكردي في منطقة الشرق الأوسط، وليس في تركيا فقط .
تتصرف تركيا مع أكراد سوريا كما لو أنهم جزء من أكراد تركيا، وكما لو أن منطقة كوباني ولاية تركية وليست جزءاً من بلد آخر اسمه سوريا .
وهذا استدعى اختلاط المعطيات والوقائع، ليتحول المشرق العربي والإسلامي إلى منطقة مستباحة، خاضعة لتوازنات القوة ولمن يملكها ليفرض رأيه وكلمته وخططه .
لم تر أنقرة في الحرب ضد "داعش" سوى أنها تهديد لأحد أدوات ممارسة تأثيرها في المنطقة . وبعدما تكتل التحالف لصد الهجوم على كردستان العراق، ومشاركة حزب العمال الكردستاني في الدفاع عن أربيل، كانت ردة الفعل التركية المتوجسة سريعة جداً، حين وجّهت "داعش" أنظارها إلى شمالي سوريا، من أجل توجيه ضربة إلى مناطق الأكراد التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، باعتباره امتداداً لحزب العمال الكردستاني .
أرادت تركيا أن تخلق واقعاً جديداً تستفيد منه، لكي تنهي مرة واحدة وإلى الأبد، احتمال نشوء كيانية كردية في شمالي سوريا، على اعتبار أنها ستشكل سابقة أخطر من سابقة العراق على الواقع التركي الداخلي . إذ إن أكراد سوريا، أو بمعظمهم يدينون بالولاء لعبدالله أوجلان، وتخشى تركيا أن تصبح محاصرة بكيانات كردية من جنوبها ومن داخلها .
غير أن هذه النظرة التركية المعارضة لتجلي الهوية الكردية لم تجلب لأنقرة سوى المزيد من الأزمات والتوترات .
إذ إن هذه المسألة مطروحة ومتفجرة منذ العام ،1925 ومع ذلك لم تجد لها حلاً، لا مع الحكومات العلمانية ولا العسكرية، ولا مع سلطة حزب العدالة والتنمية التي ترفع الإسلام شعاراً لسلوكها .
وربما كان رجب طيب أردوغان أكثر مراوغة من سابقيه في التعامل مع هذه المسألة، عبر إطلاق وعود متفائلة، ولكنه كان الأكثر حنثاً بها . وكان بطريقة المراوغة والخداع يقطع الوقت، كما يقال، ويمرر الاستحقاقات الانتخابية من بلدية ونيابية وأخيراً الرئاسية . ولكنه لم ينتقل إلى ترجمة أي مطلب أساسي من مطالب الأكراد، ولا سيما الحكم الذاتي والتعلم باللغة الكردية .
لقد أتت أحداث كوباني لتكشف زيف طريقة التعامل التركية مع أوجلان وحزب العمال الكردستاني في المفاوضات . فمن كان رافضاً لإقامة حكم ذاتي في منطقة خارج تركيا، فهل سيقبل بها داخل تركيا؟ لقد بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود . وها هي سلطة حزب العدالة والتنمية عبر رئيسي الجمهورية والحكومة تعلن، بهذا الموقف من الحكم الذاتي، أن المفاوضات مع أوجلان لن تنتهي إلى النجاح . وقد أبانت تركيا عن وجه قبيح بل عنصري من خلال التعامل بمنطق العنف والرصاص على المحتجين الأكراد في المدن التركية تجاه الموقف من كوباني، وكانت النتيجة سقوط أكثر من 35 قتيلاً في صفوفهم، وهو ما يحصل للمرة الأولى على هذا النحو من منتصف التسعينات .
وفي حين كان أردوغان يحتج على طريقة تعامل السلطات المصرية مع تظاهرات الإخوان المسلمين في ميدان رابعة، كان هو يمارس القتل المتعمد ضد المتظاهرين الأكراد . لقد خدع الأكراد على امتداد سنتين من المفاوضات والمماطلة، وانتهت إلى مشاركة تركيا في إبادة الأكراد في وباني . وسيخطئ عبدالله أوجلان كثيراً إذا كان يعتقد أن سلطة حزب العدالة والتنمية ستقدم له ما لم يقدمه سالفوه من العلمانيين والعسكر . وما فعله في السنتين الأخيرتين من هدنة وسحب مقاتلين له من داخل تركيا إلى شمال العراق لم يكن سوى المساهمة في المد بعمر سلطة أردوغان - داود أوغلو . فهل يعيد الأكراد النظر في طريقة تحركهم تجاه أنقرة، أم يواصلون الانخداع سنة تلو سنة وعقداً تلو عقد؟
التعليقات