عبدالله بن بخيت

في كل مرة أقرأ خبر ملاحقة بعض الجهات والوسائل الإعلامية لملف قطر في محاولة لحرمانها من استضافة دورة كأس العالم المونديال أتذكر على الفور الجدل الذي دار حول حق المرأة في قيادة سيارتها بنفسها. طبعا أكثر من أخ سيتململ أو يدهش من ربط قضية حق المرأة المشروع في قيادة السيارة في المملكة وبين حق قطر المشروع في استضافة كأس العالم على أراضيها.

طرحت القوى المعادية لقطر في بداية حملة الاعتراض مسألة الفساد والرشاوى. سابقة لم نسمع بها على مدى عمر مسابقات كأس العالم. تعد من أخطر الممارسات المعادية للمثل الإنسانية. يفترض أن يكون تجمع العالم على الصعيد الرياضي على أعلى مستوى أخلاقي. هدف مسابقة كهذه ليس المتعة فقط ولكن أيضا بعث روح السلام وجمع البشرية على تنافس ممتع وبريء يسهم في تخفيف الاحتقان والكراهية والطائفية وغيرها من الآفات التي تباعد بين الشعوب. هذا الهدف السامي يتنافى مع الرشوة أو أي شكل من أشكال الفساد.

من حسن الحظ أن اللجنة التي تقصت الملف القطري لم تجد ما يمكن أن تتهم به قطر أو العاملون في الاتحاد الدولي. لكن القوى التي لا تريد لقطر أن تنظم البطولة استمرت تلاحق قطر. لم تتوقف عند هذا السبب الأخلاقي الرفيع فطرحت قضية أخلاقية أخرى هي استغلال العمالة في ظروف سيئة لبناء منشآت الدورة.

قضية مهمة جدا تتعلق بحقوق الإنسان. لا يمكن الجمع بين لعبة كرة القدم التي تجمع البشرية على المودة والاحترام والمساواة واستغلال الفقراء والبائسين. من الواضح أن هذا السبب لم يؤد دوره الفعال في إقناع أصحاب القرار فاضطر المتربصون بقطر إلى اختلاق سبب دنيوي لعله يساعد على تحقيق هدفهم. تذرعوا بدرجة الحرارة. إذا حرمت قطر بسبب درجة الحرارة من إقامة الدورة فهذا يعني حرمان نصف دول العالم من هذا الحق.

متابعة الملاحقة تدفعك إلى التشكيك في النوايا التي تقود أعداء قطر. كلما شعروا بدنو فشل سبب طرحوا سببا آخر. تجميع الأسباب يشي أن المسألة ليست أخلاقية أو إنسانية وإنما تستهدف قطر نفسها. هذا الإصرار والبحث عن أي سبب يذكرني بالمقاتلين لمنع المرأة من حقها في قيادة السيارة. بدأ المنع بفتوى دينية وبعد بحث بسيط عرف الناس أن المسألة لا علاقة لها بالدين. اكتشف المعادون لحق المرأة أن السبب الديني لم يعد مقنعا. إذا بقي وحده يمنع المرأة من حقها فلن يصمد طويلا. رموا بسبب آخر قريب من السبب الديني.

طرحوا مشكلة الأمن. أخذوا حادثة واحدة جرت بعد إحدى المباريات (أنزل بعض الأشقياء عائلة من سيارتها) كدليل أن المرأة ستكون غير آمنة. ولأن العقل ومستوى الأمن في المملكة يرفضان سببا كهذا يحرم الإنسان من حق طبيعي اضطروا إلى البحث عن سبب دنيوي. اكتشفوا قبل رجال المرور أن سياقة المرأة سوف تسبب زحاما قائلين (اللي فينا كافينا).

إذا جمعت الأسباب في ملف قطر والأسباب في ملف قيادة المرأة للسيارة في المملكة ستجد تشابها لا يمكن أن يخطئه عقل. هؤلاء يريدون حرمان قطر من تنظيم الدورة، وهؤلاء يريدون حرمان المرأة من حق من حقوقها الطبيعية. المسألة في كلتا الحالتين مسألة مبدأ لا دين ولا زحمة ولا فساد ولا رشوة. موقف معاد تجاه قطر، وموقف معاد تجاه المرأة.
&