أمـــل عبـــدالله الهــدابي

كل خطوة على طريق المصالحة والتقارب بين الأشقاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي خطوة تلقى التقدير والترحيب من أبنائه، إذ عبَّروا على الدوام عن رغبتهم في تعميق مجالات التعاون وتوسيع آفاقه، وباركوا كل القرارات والإجراءات التي تصب في ذلك الاتجاه. وفي هذا الإطار، كان الترحيب بما أسفرت عنه «قمة الرياض» الأحد الماضي من مصالحة بين الأشقاء، وعودة لسفراء دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين إلى الدوحة، بما يصب «في وحدة دول المجلس ومصالحها ومستقبل شعوبها»، بحسب نص بيان القمة.

وأول ما تتعين ملاحظته في البيان هو إطلاق وصف «اتفاق الرياض التكميلي» على ما تم التوصل إليه من إجراءات، بمعنى أن «اتفاق الرياض» أو «وثيقة الرياض» التي أُبرمت في نوفمبر 2013 لا تزال الأساس الذي تنبني عليه المواقف، بما احتوته من التزامات وتعهدات. كذلك يجب التوقف أمام وصف الاتفاق بأنه «يُعدُّ إيذاناً بفتح صفحة جديدة»، وهي صفحة يدعمها تراث التقارب والتعاون والأخوة والعمل المشترك الذي يجمع دول المجلس بالشقيقة قطر، سواء من خلال العلاقات الثنائية بينها وبين الدول الثلاث، أو من خلال العلاقات ومجالات العمل التي أرسى مجلس التعاون أسسها الراسخة لأكثر من ثلاثة عقود. وهذه العناصر جميعها تعزز ما يطمح إليه أعضاء المجلس من الشقيقة قطر.

&


وبالقدر نفسه، ينطوي تعبير «الصفحة الجديدة» على وجه آخر يتعين أخذه بالاعتبار، وهو أن هذه الصفحة رهن بما يُكتب فيها؛ فسطورها وكلماتها هي انعكاس لسلوكيات وممارسات على أرض الواقع، وأن التعبير عن الرغبات الصادقة والنيات الطيبة يجب أن تصدقه الأفعال والتصرفات.

وتأتي إشارة البيان إلى «الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، وتتطلب مضاعفة الجهود والتكاتف لحماية الأمن والاستقرار فيها»، تنبيهاً إلى وضع سيكون فيه أي خطأ مكلفاً وغالياً، ولن تقتصر آثاره وتداعياته على الطرف الذي سيقوم به وحده، وأن مواجهة هذه «الظروف الدقيقة» في ظل تنسيق جماعي مسؤول يراعي فيه كل طرف مصالح أشقائه وشركائه، هو ما يضمن حماية المسيرة التنموية لدول المجلس، ويعزز مساعيها لترسيخ النجاحات السياسية والاقتصادية التي حققتها عبر العقود السابقة.

ومثل هذه «الظروف الدقيقة» التي أكدها البيان، تستوجب مراعاة ما تموج به المنطقة والعالم من نُذر التآمر والتربص بها من جانب قوى دولية وإقليمية تسعى لإعادة رسم خرائط القوة والتأثير، بل حتى إعادة رسم الخرائط السياسية. وهذا ما أكده البيان بإشارته إلى «كيد الكائدين».

لقد كانت دولة الإمارات منذ قيامها في مقدمة الداعين للتقارب والمصالحة ونبذ الخلافات، والوقوف على أرضية مشتركة مع أشقائها في دول مجلس التعاون، بل كانت السباقة إلى الاضطلاع بهذه الجهود والمبادرة بها. وقد انطلقت دولة الإمارات في قبولها المصالحة الأخيرة من هذا التراث السياسي عميق الجذور، آملة أن تكون كل الأطراف قد وعت دروس الأشهر الماضية، وأن تتكاتف الجهود وتوجه الطاقات الخليجية لتعمل كلها في اتجاه واحد، هو ما سيضمن لدول المجلس التغلب على ما تواجهه من تحديات.

لم تكن إشارة بيان سحب السفراء في مارس الماضي إلى «جسامة ما تمر به المنطقة من تحديات كبيرة ومتغيرات تتعلق بقضايا مصيرية» مجرد عبارات إنشائية، بل كانت تقييماً دقيقاً للواقع المفتوح على الخطر، فبعد فترة وجيزة من صدور البيان، تنامى نفوذ «داعش» بعنفه ووحشيته، وبما أضافه إلى المنطقة من عوامل للفوضى والتمزق يصعب أن نحدد كيف ستنتهي.

وللأسف، لن تكون «داعش» هي الإفراز الأخير، ما دامت الأطراف التي تعبث بورقة التطرف تستمرئ هذه اللعبة، غافلة عن النار التي ستحرقها في النهاية، بما يعني أن مزيداً من الأخطار والتهديدات لا تزال في الانتظار. ويفرض ذلك على دول مجلس التعاون أن تواجه هذه التهديدات والأخطار وقد توحدت جهودها واتحدت كلمتها.

هذا هو السياق الذي يجب أن يُفهم من خلاله «اتفاق الرياض»، ليس باعتباره بداية صفحة جديدة فقط، بل بكونه يمثل، وفقاً لنص البيان، «مرتكزاً»، و«إيذاناً» بما ينبغي أن يكون.
&