&&محمد خلف

&

&

&

&

&


&

&

لا يكاد يمر يوم من دون أن يخرج مسؤول أوروبي رفيع من الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليعلن وجود مواطنين يحملون جنسية بلاده يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية (داعش)، والجماعات الجهادية الأخرى، ويقول منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريشوف إن عدد هؤلاء يرتفع باستمرار بحيث وصل حتى الآن إلى أكثر من 3 آلاف مقاتل يشكلون بتأكيده تهديداً خطيراً لأمن مجتمعاتهم بعد عودتهم إلى بلدانهم، وقد اكتسبوا خبرات ومهارات في العمل الإرهابي. وهذا يحصل أيضاً في سويسرا وأستراليا وجميع دول البلقان وحتى في الصين وماليزيا وإندونيسيا والهند والباكستان وغيرها.

تواجه الحكومات الأوروبية تحديات كبيرة نتيجة تنامي التيارات الإسلامية المتشددة في مجتمعاتها التي لا تعاني من التعصب الديني وينعدم فيها في شكل كامل دور الكنيسة في الحياة السياسية، بفضل دساتيرها التي تبعد الدين عن السياسة وهو ما جعلها متيقظة وحساسة إزاء الجاليات الإسلامية، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية في مدريد ولندن وبلجيكا والسويد وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي. واعتبر تقرير أصدرته الوكالات الأميركية الـ16 في عنوان (اتجاهات الإرهاب العالمي وتداعياته على الولايات المتحدة) أن أوروبا أصبحت بؤرة مركزية يستخدمها الجهاديون للهجوم على المصالح الغربية» و «أن الخلايا المتطرفة داخل الشتات الإسلامي الواسع في أوروبا، تسهل عمليات التجنيد وشن الهجمات في المدن كما حدث في واشنطن ونيويورك وبرلين ولندن وغيرها». ونبه الخبير السويسري في قضايا الإرهاب دورون زيمرمان حكومات أوروبا إلى أن «دولها تقف على قنبلة أمنية موقوتة لافتقارها إلى ميكانيزم يتيح التصدي لخطر التطرف الإسلامي».

وتنشط حملات تجنيد الإسلاميين في بعض المساجد التي تنتشر في مدن أوروبا، وكثير منها سري وليس مرخصاً، ويتحدث تقرير صادر عن دائرة منسق الإرهاب الأوروبي عن أربع مجموعات ناشطة في هذا المجال هي: «المجموعة السلفية للدعوة والقتال، والمجموعة الإسلامية للمقاتلين المغاربة، والتكفير والهجرة، والدولة الإسلامية». ورصد تقرير أعدته لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الهولندي «أن خلايا الإسلام المتشدد تعمل لجذب النساء إلى صفوفها وتجنيدهن للعمل الجهادي المسلح».

وتواجه بعض البلدان الأوروبية التي فيها أقليات أو جاليات مسلمة، أخطار نشوب توترات على أساس ديني، وهو ما حذر منه الخبير الأميركي في قضايا الإسلام روبرت سبنسر الذي يترأس مؤسسة (جهاد ووتش) المختصة بدراسة ظواهر التطرف الديني في العالم، مشيراً إلى أن التوتر بين المسلمين والمسيحيين في أوروبا يتنامى باضطراد مهدداً بتكون ما سماه في تقريره «جيوباً إسلامية»، في شكل خاص في ألبانيا ومقدونيا والبوسنة التي يشكل فيها المسلمون فيها نسباً، هي على التوالي 70 في المئة و30 في المئة و60 في المئة من عدد السكان الإجمالي». ويتحدث سبنسر عن توجهات مثيرة للقلق في أوساط هذه المجوعات وهي ميلها إلى الانعزال في غيتوات دينية وإثنية في ضواحي المدن الأوروبية مورداً كمثال على ذلك ما سماه» الغيتو الإسلامي والحلقات العرقية المرتبطة به في الضواحي التي تحيط بالعاصمة الفرنسية باريس». وقالت جريدة (لوسوار) الصادرة في بروكسيل، إن الكثير من الرعايا البلجيكيين يقاتلون في صفوف «القاعدة» في سورية والعراق. وأشارت إلى البلجيكية موريل دغوك التي فجرت نفسها في العراق خلال فترة الاحتلال الأميركي». وموريل كانت بدلت اسمها إلى مريم بعد تزوجها بمغربي يحمل الجنسية البلجيكية قتل هو الآخر في العراق أثناء تنفيذه هذه العملية. وفي ألمانيا حيث توجد واحدة من أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، حيث يزيد عدد أفرادها على ثلاثة ملايين مسلم، تعمل تنظيمات متشددة من أجل تقويض نظام القيم الذي ينص علية الدستور الألماني بوسائل إرهابية، وفق ما ورد في التقريرالسنوي لجهاز الاستخبارات الداخلية الذي يظهر من محتواه أن هذه التيارات المتطرفة تنشط لإقامة مساحات حرة للعيش بمقتضى الشريعة».

&

مراكز بحوث وبيانات صادمة

وتولي مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في أوروبا وأجهزة استخباراتها المختلفة اهتماماً مركزياً لقضية الإسلام المتشدد وسط جالياتها الإسلامية. ويشير الخبير الألماني بقضايا الإرهاب الدولي رولف توبهوفن إلى وجود 40 ألف إسلامي متشدد في أوروبا يهددون أمنها القومي بينهم 13 ألفاً في ألمانيا و10 آلاف في بريطانيا، فيما يتوزع الآخرون على الدول الأخرى. وهذه التفاصيل تجعل من الحكومات الأوروبية مرتبكة وقلقة، وعاجزة عن فهم هذه الظاهرة، ما يجعل من إجراءاتها وقراراتها لمواجهتها في كثير من الأحيان، مثيرة للسخرية. ولعل المشكلة الأكثر تعقيداً هي أن أفراداً من الجاليات العربية والإسلامية ليسوا هم وحدهم من يسافر للجهاد العالمي، فلقد تبين أن شباناً مسيحيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها يعتنقون الإسلام، وينضمون للقتال في صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما، ويرتكبون الفظائع والجرائم نفسها بما فيها حز رؤوس (الكفار)، وهذا يفرض أيضاً ضرورة البحث عن العوامل والأسباب التي تدفع مواطنين مسيحيين إلى الجهاد العالمي وارتكاب أفعال شنيعة وغير إنسانية ومدى ارتباطها بالأزمات التي تعيشها المجتمعات الأوروبية، وربما بوصول الثقافة الأوروبية إلى طريق مسدود!

إن عجز الدول الأوروبية عن إيجاد الحلول الفعالة يزيد من الارتباك والتخبط وعدم القدرة على المواجهة. فمشكلة التطرف في أوساط الجاليات العربية والإسلامية في المجتمعات الأوروبية ليست جديدة، ولكنها كانت محدودة وضعيفة، ولم تنظر إليها المؤسسات المعنية بجدية، وهي منذ سنوات تشهد تصاعداً، وتتمدد ومعها تبرز ظاهرة موازية هي التطرف المسيحي الأصولي والتشدد القومي الشوفيني والكراهية الدينية والإثنية تجسدها أحزاب أوروبية يتعزز نفوذها في الواقع الاجتماعي والسياسي وتحقق إنجازات فعلية في الانتخابات، وممثلوها يحتلون الآن مواقع مؤثرة في البرلمانات الوطنية والبرلمان الأوروبي وبمقدورهم التأثير في مسارات القرارات والقوانين التي تهدد المشروع الأوروبي الرافض العنصرية والكراهية الدينية والعرقية والساعي إلى مجتمعات متعددة الدين والثقافة. وفي الواقع لم تخطئ المستشارة الألمانية مركل حين أعلنت قبل فترة فشل مشروع اندماج المهاجرين في بلدها، وهذا للأسف هو حال جميع مشاريع وبرامج الاندماج الأوروبية، بما في ذلك السويد التي كانت تعد النموذج الناجح والمتطور لاندماج المهاجرين وبناء مجتمع متعدد الثقافة.

في استطلاع أعِد قبل 4 سنوات في النمسا شارك فيه 500 من أفراد الجاليات العربية والإسلامية أعلن 76 في المئة منهم أنه يصنف نفسه على أساس الدين الإسلامي وليس الجنسية التي يحملها، فيما قال 79 في المئة منهم في ردهم على سؤال عن موقفهم من الدولة التي يحملون جنسيتها أنهم يعتبرونها (عدو)! وينقسم المسلمون في النمسا إلى أربع مجموعات وفق تصنيف أعدته وزارة الداخلية وهي: (متزمتة دينياً وتشكل 18 في المئة) و (دينية تقليدية 27 في المئة) و (معتدلة 31 في المئة) و (علمانية 24 في المئة). ويبلغ عدد مســـلمي النمسا حوالى 400 ألف نســمة من مجمــوع 8 ملايين، أي أن نسبتهم 4.35 في المئة من مجموع السكان الكلي. وتكشف بحوث أعدتها مؤسسات مختصة «أن 45 في المئة من المســلمين في النمسا يرفضون الاندماج في المجـــتمع ولا يوجد في هذا فروق بين من يعتـــبرون جيـــلاً ثالثاً أو أول ولا في الأصـــول بين من قدم من تركيا أو الشيشان أو الدول العربية».

ووفقاً لنتائج استطلاع قام به مارك سيغمان الباحث الأميركي في مجال الإرهاب والطب النفساني، وشارك فيه 400 شخص مرتبطون بـ «القاعدة» في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا فإن «85 في منهم أصبحوا متشددين في الغرب وليس في بلدانهم الأصلية». وتقول الباحثة في هارفارد جيسكا شتيرن: «إن كثيرين من الإرهابيين الشباب الذي تطوعوا للقيام بعمليات انتحارية، نما فيهم التطرف نتيجة شعورهم بالذل والتهميش في المجتمعات الأوروبية».

سويسرا وأستراليا: تعددية إرهابية

وحتى سويسرا التي تعتبر واحة للاستقرار والثروة أصبحت تخشى من تمدد أصولي في أراضيها وتهديده أمنها القومي، ما استدعى وفق تقرير أصدرته وزارة الداخلية الفيديرالية من الأجهزة الأمنية تكثيفاً للمراقبة والمتابعة لمواجهة التكتيكات المتغيرة في عمل المجاهدين الإسلاميين داخل البلاد بعد أن كان يقتصر على الداخل. أستراليا البعيدة جغرافياً عن مركز الفكر الإسلامي المتشدد لم تسلم هي الأخرى من امتداد تأثيراته إلى أراضيها وأعلن المجلس الاستشاري الإسلامي في البلاد وجود ثلاثة آلاف خلية عقائدية نائمة.

تكشف الأحداث والمتغيرات التي يعيشها العالم الآن حقيقة أن قضايا الهوية، بمعنى اللغة والدين والتراث الثقافي ستلعب دوراً مركزياً في السياسة داخل كل دولة وعلى مستوى العالم. الثقافات تمثل الخلفية العميقة للصراعات التي نعيشها اليوم. لا شيء أكثر من نزاعات الهوية بمقدوره أن يشحن المشاعر في الزمن الراهن. ظهور «القاعدة» وتنظيم الدولة الإسلامية و «طالبان» و «بوكو حرام» وغيرها من الجماعات الجهادية هو نتيجة لظاهرة العولمة وهي نتاجات جديدة مثلها مثل مايكروسوفت ويوتيوب وتويتر وفايسبوك. فمع تنامي الدور الذي تلعبه العولمة في إزالة الحدود ومحو ما يعرف بالسيادة الوطنية للدول، وتطور الإنجازات العلمية والتقنية والتكنولوجية للعالم الغربي تتعمق أزمات المجتمعات العربية والإسلامية التي ترضح لعقود متواصلة لأنظمة استبدادية قمعية وشبكات مافيات وأوليغارشية متحالفة مع السلطات تستخدم الدوغما الدينية لإبعادها من قضاياها ومشاكلها الملحة، وهي أنظمة كانت حليفة للغرب وتحظى بدعمه، لهذا فالسخط والغضب موجه إلى الطرفين وبمستوى أكبر للغرب الذي يظهر مدافعاً عن القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.

تشعر المجتمعات العربية والإسلامية بالمذلة والإهانة والتهميش والتخلف والفقر، ولكنها بدلاً من أن تبحث عن العلل والأسباب في عجزها وتخلفها وتعاطيها مع منجزات الحضارة العالمية، توجه اتهامها للغرب المسيحي الذي يريدها متخلفة، والاستعمار الكولونيالي والإمبريالية والصهيونية العالمية، وهي مفردات ومفاهيم كرستها الأنظمة الحاكمة في وعي هذه المجتمعات عبر الأجيال من خلال منظومة التعليم.

إن البيانات التي تعلنها مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختصة بالأمن ومكافحة الإرهاب الدولي، صاعقة فهي تكشف أن الجيل الجديد من جهاديي «الدولة الإسلامية» من أوروبا تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة، فيما كانت أعمارهم لدى «القاعدة» ما بين 30 و45 سنة، وتشير إلى أن غالبية هؤلاء من حاملي الشهادات العليا، ولكن من دون عمل مع أنها تمتلك المال الكافي لتمول بنفسها الانتقال إلى تركيا، ومن هناك إلى ساحات القتال في سورية والعراق.

في استطلاع أعدته مؤسسة (غالوب) تبين أن نسبة 44 في المئة من المتطرفين تلقوا تعليماً جامعياً أو أنهوا الثانوية العامة فيما لم تتجاوز نسبة من تلقوا تعليماً ابتدائياً من المتطرفين 23 في المئة فقط». وتوصل تحليل عالمي تناول أكثر من مليون منشور إلكتروني باللغة العربية إلى «أنا عداد مؤيدي داعش» بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المتحدثين باللغة العربية في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يفوق أعداد نظرائهم داخل معاقل الجماعة في سورية و العراق.

وفي إطار ما يعد أول بحث شامل لمؤيدي هذا التنظيم الدموي الاكبر في العالم ومعارضيه، توصل أكاديميون إيطاليون إلى أنه على امتداد ثلاثة أشهر ونصف منذ تموز (يوليو) وحتى تشرين الأول (أكتوبر)، إلى استنتاج مفاده أن المحتويات التي نشرها أوروبيون عبر موقعي «تويتر» و «فايسبوك» أكثر تأييداً لـ «داعش» من المحتويات المنشورة من داخل الدول الواقعة على خط المواجهة في الصراع الدائر مع التنظيم. ففي سورية على سبيل المثل أعلن ما يقارب 92 في المئة من التغريدات والمدونات والتعليقات عبر المنتديات، رفضاً مطلقاً وعداء كبيراً لمقاتلي التنظيم الذين اجتاحوا مناطق واسعة من البلاد وأعلنوا ما يسمى دولة «الخلافة» الدينية.

&

الخلافة والجهاد الأوروبي

ويسعى الجهاديون في أوروبا كغيرهم في القارات الأخرى من خلال العنف إلى إعادة نمط حكم الخلافة الإسلامية. ويرى الخبير ستيفن آلف في مؤسسة «جيمستاون»، «أن الخلافة هي رمز جميع الإسلاميين الأصوليين»، وقال: «إن هذه الحركات ترى أن العالم العربي يمتلك ثروات كبيرة كالنفط ولكن تنقصه القيادة التي تلتزم حكم الشريعة الإسلامية وتتبع الجهاد الذي يخشاه العالم، وأن عودة الخلافة ستشجع المزيد من الناس على اعتناق الإسلام». وتقول الخبيرة في معهد «هادسون» زينو براون: «إن رسالة هذه المجموعات تقول للمسلمين في أوروبا إن عليهم خلق مجتمعات موازية وإنه لا يجدر بهم اتباع نمط الحياة الغربية». وكان الصحافي في جريدة «كريستين ساينس مونيتور» الأميركية جايمس براندون نقل في أحد تقاريره قبل سنوات عن إسلاميين أجرى معهم حوارات في الأردن، طموحهم ورغبتهم في «إلغاء الحدود بين دول العالم الإسلامي لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية التي ستمتد من إندونيسيا إلى المغرب وتضم أكثر من 1.5 بليون مسلم».
&