عبد العلي حامي الدين

الموت لا يستأذن أحدا وهذه سنة الله في خلقه..


مات الأستاذ عبد الله بها وزير الدولة في الحكومة المغربية ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.


مات أحد المؤسسين البارزين لحركة التوحيد والإصلاح التي خرج من رحمها حزب العدالة والتنمية وعاش معها أبرز مراحل التطور. فمن رحم الشبيبة الإسلامية قاد المرحوم إلى جانب رفيقه عبد الإله بنكيران في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات مراجعات قوية للخروج من السرية إلى العلنية، والعمل ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية المشروعة وذلك في أعقاب الخلاف مع مؤسس الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع. وهكذا تم تأسيس الجماعة الإسلامية التي طورت اسمها إلى حركة الإصلاح والتجديد، تحمّل الراحل فيها مسؤولية نائب رئيس الحركة ورئيس تحرير جريدة «الراية» آنذاك.
اقتنع منذ البداية بفكرة التعاون على الخير مع الغير، وقاد مسلسلا حواريا مع مجموع الطيف الإسلامي لتحقيق فكرة الوحدة بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية.
قاد إلى جانب الدكتور أحمد الريسوني رئيس حركة التوحيد والإصلاح مسلسل الوحدة الاندماجية بين حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي في منتصف التسعينيات، وعرف أثناءها بلين الجانب وخفض الجناح والسعي لرأب الصدع بين والتوفيق بين الآراء..خلال هذه المرحلة عرفت الحركة مراجعات أخرى، أبرزها تمثل في الفصل التنظيمي بين العمل الدعوي والعمل السياسي وتأسييس العمل السياسي بناء على منظور متخصص.
تحمل مسؤولية نائب رئيس المجلس الوطني للحزب في عهد المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب، قبل أن يتحمل مسؤولية الرئاسة بعد وفاة المرحوم بنعبد الله الوكوتي.
مات الرجل بعدما نحت مجموعة من القواعد الذهبية في العمل الجماعي، بالإضافة إلى سمعة استثنائية حققت حوله تعاطف الجميع.
الجميع يشهد للرجل بالإيمان والتقوى..وكانت مجالسته تذكر بالله وخاصة في الأوقات التي يتسرب فيها إلى رفاقه شيء من الدنيا.. وهب حياته وعقله لخدمة البلاد والعباد..ولم يكن له هم في الدنيا سوى هم الدعوة والإصلاح.. لم ينل المنصب الحكومي من طيبوبته وتواضعه، ولم تزده المسؤوليات التي تعاقب عليها في الحركة والحزب والبرلمان والحكومة إلا إصرارا على التشبت بطبيعته الميالة إلى البساطة والتواضع.
كان الفقيد الطيب يخجل الجميع بتواضعه، وكان يفاجئ الجميع بسكينته في قلب النقاشات الكبرى والأحداث العظيمة..مات الرجل الحكيم الذي كان في الغالب آخر من يتكلم في الاجتماعات ليفصل القول في المدلهمات.
مات الرجل صاحب الرأي السديد والقول الدقيق مبدع العديد من القواعد الذهبية في العمل الجماعي: «الرأي حر والقرار ملزم» «الإصلاح في ظل الاستقرار» «الإصلاح وليس السلطة»…
مات الرجل الزاهد الذي لم يكن يهتم بحطام الدنيا ومتعها البالية، وكان قلبه معلق بالآخرة..وهمه الوحيد في الدنيا هو أن يرى فكرة الإصلاح تشق طريقها بنجاح..ولم يكن الأستاذ عبد الإله بنكيران مبالغا حينما كان يمازحه بقوله:»أنت رجل من عهد الصحابة تأخر بك الزمان بيننا».


كان للراحل منظور واضح ومتميز في التعامل مع الأحداث والوقائع السياسية والظواهر الاجتماعية، هذا المنظور الذي راكمه من خلال ثقافته الإسلامية الواسعة وتدبره في سير الأنبياء والصالحين، ومن خلال قراءته لتاريخ المغرب الحديث، ومن خلال تجربته الكبيرة في العمل الإسلامي ونقاشاته التي لا تنتهي مع إخوانه في الحركة والحزب، ومن خلال خبرته الميدانية واحتكاكه اليومي بالمغاربة.
كان الأستاذ عبد الله بها مغربيا حتى النخاع، ومتابعا لما يجري في مختلف المجالات، وكثيرا ما كان يفاجئنا بأخبار جديدة من عالم الفن والرياضة.
كان منهجه في العمل السياسي قائما على ثلاثية الدين والديمقراطية والانفتاح: الدين هو الذي يقدم الإجابات على الوجود والمصير ويقدم المعنى لتضحياتنا في العمل السياسي، ويهذب النزوعات البشرية الميالة إلى حب الشهوات ويوفر لها القوالب المشروعة لتصريف هذه الشهوات..والديمقراطية هي تلك القيمة الحضارية التي أبدعتها البشرية للانتقال من حالة الصراع والفوضى إلى حالة التمدن والتحضر، وهي القيمة التي تضفي طابع النسبية على اختياراتنا السياسية، خاصة بالنسبة لمن اختاروا المرجعية الإسلامية في عملهم السياسي، والانفتاح الذي بدونه لا يمكن لمشروع إصلاحي أن يكون له مستقبل..كان رحمه الله يحذر من الانغلاق والطائفية ويحذر من المواقف الحادة التي لا تترك مساحات للتفاهم والاختلاف بالتي هي أحسن.
كان الفقيد يكره الصراع والتنازع على المناصب والمسؤوليات، وكان شعاره الدائم الذي لا يكل منه ولا يمل من تكراره في المجالس، هو الآية الكريمة:»ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم..» .
كان رحمه الله يعتبر بأن التنازع هو سبب الفشل وذهاب القوة..وهو السبب الذي جنى على التنظيمات والأحزاب وحتى على الدول والأنظمة.
مهما قلنا في حق الفقيد الشهيد لن نوفيه حقه..وحسبنا أن الرجل لم يبدّل ولم يغير إلى أن لقي ربه شهيدا..
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب..
إنا لله وإنا إليه راجعون.

&

&
&