عبدالله بن بجاد العتيبي

تسير المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة في حماية ورعاية مصالح شعبها داخليا، ومصالح شعبها والشعوب العربية إقليميا ودوليا، فداخليا اعتمد خادم الحرمين الشريفين سياسة التطوير الإداري لمؤسسات الدولة، كما جرى ويجري في المجال القضائي، مع اعتماد الخطط التنموية المتكاملة والتطوير السياسي المتدرج، وإقليميا ها هي السعودية تقود العالم العربي والدول العربية في المنطقة والعالم.


واستمرارا للتطوير الداخلي فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأسبوع الماضي، بتغيير كبير في مجلس الوزراء السعودي شمل 8 وزارات، هي: الشؤون الإسلامية والتعليم العالي، والثقافة والإعلام، وكذلك الشؤون الاجتماعية، والاتصالات، وتقنية المعلومات، والزراعة، والصحة، والنقل، مع تعيين رئيس هيئة الخبراء وزير دولة في مجلس الوزراء.


مع استحضار التغييرات الوزارية خلال السنوات القليلة الماضية، فإننا أمام مجلس وزراء جديد تقريبا، ففي المجال التعليمي يأتي التغيير ليتكامل مع تغيير وزير التربية والتعليم قبل فترة، ومع الأهمية القصوى التي أولاها الملك عبد الله للتعليم بشكل عام وللتعليم العالي بشكل خاص كما ونوعا، أما الكم فمن 7 جامعات أصبحت في السعودية بضع وعشرون جامعة تغطي كل مناطق المملكة، وأما الكم فيكفي نموذجان، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست»، ومشروع الملك عبد الله التاريخي للابتعاث الخارجي، ووزارة بهذه المسؤوليات الكبرى بحاجة إلى تجديد الدماء للإيفاء برؤية الملك الكبرى لتطوير هذا المجال الحيوي.


في المجال الإعلامي وفي ظل الصراعات الكبرى في المنطقة، فإن تطويره ودعمه، ليكون خادما لرؤية البلاد ومصالح الشعب والدولة، هو إحدى الضرورات الملحة، وبخاصة بعد الانفجار الحاصل في القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ومشاركة الكثير منها في نشر الفوضى ودعم التخريب والتحريض على الإرهاب في الكثير من الدول العربية، وبخاصة أن السعودية قد أصدرت تشريعات وأنظمة لضبط المخالفات والاعتداءات وعينت لجنة للنظر في قضايا هذا المجال المهم، ونحن بأمس الحاجة لضبط الفوضى ومعاقبة المخربين ومحاصرة الإرهاب وستكون هذه واحدة من أهم واجبات الوزير الجديد.


وهذا القرار يأتي ضمن سلسلة من التغييرات التي سبقته التي توحي بصياغة رؤية جديدة لتطوير المجال الإعلامي وإعادة هيكلته بما يخدم الرؤية العامة للدولة ويدافع عن استقرار الدولة ومصالح الشعب في ظل الصراعات الكبرى في المنطقة.


أما الوزارات الأخرى التي تتعلق بخدمة الشعب بشكل مباشر، فإن السعي الحثيث للملك عبد الله ظاهر في حرصه على أن يتم تسهيل وصول كل الخدمات للمواطن بشكل سهل وميسور وعلى الوزراء الجدد أن يكملوا نجاحات من سبق ويتجنبوا الأخطاء أو البطء في الإنجاز، وبخاصة أن بعض هذه الوزارات تواجه تحديات كبيرة كوزارة الصحة، أو أمامها تنفيذ مشاريع ضخمة كالنقل، وقد صدر الأمر الملكي قبل إعلان الميزانية حتى يأخذ كل وزير فرصته في الإبداع والتجديد والتنفيذ.


وآخر الوزارات في هذا السياق، وليست آخرها في الأهمية، هي وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والدعوة، والإرشاد، وهي وزارة شديدة الأهمية والتأثير، ذلك أن الخطابات الدينية في العالم الإسلامي بأسره تواجه تحديات منذ عقود، وهي ذات حساسية لارتباطها المباشر بالدين وبالفرائض والشعائر الدينية، وهي تأتي في الصميم من كل الرؤية الإصلاحية للملك عبد الله لتطوير المجال الديني، وقد شملت الرؤية ضخ دماء جديدة وتطوير بعض المؤسسات كهيئة كبار العلماء، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرهما، فهذه الوزارة بمسؤولياتها الجسام بحاجة ماسة للاتساق مع الرؤية الشاملة للدولة والمشاركة الفاعلة في درء الأخطار ومواجهة الفتن ومحاصرة الإرهاب.


لقد واجهت السعودية الإرهاب أمنيا بشكل يشهد به العالم، وانتصرت عليه في الداخل ولاحقته في الخارج، ويؤكد ذلك إنجازاتها الأخيرة في «حادثة الدالوة»، وفي القبض على الغادرين بالمقيم الدنماركي، وفي منع «تنظيم داعش» الإرهابي من أي فاعلية في الداخل السعودي، وهو الذي يعلن دائما أن استهداف أمن السعودية واستقرارها يشكل واحدا من أهم أهدافه وأولى أولوياته، ولكن الجميع يعلم أن المواجهة الأمنية مهما أنجزت وقدمت وانتصرت لا يمكن أن تواجه أخطار التطرف والإرهاب منفردة، وهنا يأتي الدور المطلوب من الوزارة.


لقد تحدث الملك عبد الله مرارا عن استيائه من أداء بعض رجال الدين ومؤسساته في مواجهة الإرهاب، وأعلن استياء أكبر من تشويه الإسلام الذي يقوم به المتطرفون والإرهابيون وعتب على الفقهاء في صمتهم وكسلهم، وتحدث باستياء عن المحرضين للشباب على الذهاب لمواقع الحروب والقتال، ثم أتبع ذلك بأنظمة تجرم كل هذه الأفعال المسيئة من تحريض وتحشيد وتجنيد، وأتبعها بقائمة للجماعات الإرهابية في المنطقة التي شملت تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، ولكن الوزارة لم تصنع شيئا ذا أهمية وفاعلية وتأثير في الاتساق مع الرؤية الإصلاحية للملك عبد الله تلك التي تحرص على نقاء الإسلام ومحاربة التطرف والإرهاب.


ومن هنا، فقد كان ضروريا أن يتم تطوير الوزارة لتصبح شريكا فاعلا في رؤية الملك للتطوير والإصلاح، ولدرء الأخطار المحدقة من حولنا، ومنع المحرضين والمحشدين والمجندين وصناع الغضب على الدولة والشعب من الوصول لمواقع التأثير الديني على المجتمع والأفراد، وبالذات تلاميذ سيد قطب الذي قال في مقالة له بعنوان «مدارس للسخط» في مجلة الرسالة العدد 651 بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 1946: «أما أنا فسأظل ساخطا»، و«إنه لو وكل إليّ الأمر لأنشأت ضعف هذه المدارس التي تنشئها الدولة لأعلم فيها الشعب شيئا واحدا هو السخط. لو وكل إليّ الأمر لأنشأت مدرسة للسخط على هذا الجيل من رجال السياسة.. ومدرسة للسخط على أولئك الكتاب والصحافيين الذين يقال عنهم إنهم قادة الرأي في البلاد.. ومدرسة للسخط على أولئك الوزراء»، وهو تحديدا ما كان يصنعه كثيرون من أتباع جماعات الإسلام السياسي ورموزه لسنوات.


إن هذه الوزارة المهمة والمؤثرة يجب أن تكون داعما كبيرا لاستقرار الدولة وطمأنة المجتمع ودفعه للعمل والإنجاز والإخلاص ووعظه وإرشاده فيما ينفعه في دينه ودنياه والحرص على أموال الأوقاف ألا تتسرب في غير ما وضعت له، وهي بذلك مطلوب منها تطوير إداري في الهيكلة واختيار دقيق للقيادات ومعايير صارمة في المناصب المؤثرة بشكل مباشر على المجتمع.


أخيرا، فالدول والحكومات والمجتمعات بحاجة دائمة للتطوير، وهو إما أن يأتي عاصفا وأهوج فينشر الخراب والفوضى، وإما أن يأتي متدرجا وضمن أطر الدولة فيثمر ولو بعد حين في ظل الاستقرار، ولا يوجد عاقل يفضل الأول على الثاني.