محمد إبراهيم الدسوقي

&

الكلام عن الأزهر محفوف دائما بالمخاطر والاتهامات، فمَن يشير بأصابعه لخلل وثغرات فيه يصنف كمعاد لهذه المؤسسة الدينية العريقة، وربما يهال التراب فوق رءوس المنتقدين، أو على الأقل وصمهم بأنهم من الكارهين للدين ومنهجه


وعلى الجانب الآخر تنطلق مجموعات دفاعا عنه بالحق والباطل، ظنا بأن هذا المسلك هو السليم، وأنهم يوفرون له غطاء الحماية والحصانة.

وما بين هؤلاء وهؤلاء يتأرجح ويتمزق البسطاء من الناس الذين يسهل التلاعب بعاطفتهم الدينية الجياشة، وايمانهم الفطرى السوى، ودون مزايدة ومبالغة فإن أزهرنا الشريف الآن محاصر بالإخوان من جهة وداعش من الجهة الأخرى، مما جعله فى موقع الدفاع وليس الهجوم، ومحاصرته بهذه الطريقة سيعوقه عن التصدى لهجمة التكفيريين الشرسة على بلادنا، ولكل من يتخذ من الإسلام ستارا يدارى به شبقه وتعطشه للسلطة والحكم على جثث الشعب المصرى.

ويستغرب الكثيرون التزام شيخ الأزهر الصمت حيال ما يعلن فى الآونة الأخيرة من دلائل وبراهين موثقة بالصوت والصورة تخص مجموعة من كبار الشخصيات فى المشيخة، الذين يعبرون عن أفكار ومواقف جماعة الإخوان الإرهابية، ولا يعترفون بثورة الثلاثين من يونيو التى يعتبرونها انقلابا على نظام محمد مرسى، ومبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويتحدثون عن دماء الأبرياء التى تمت اراقتها. فتلك الشخصيات بحكم موقعها الرسمى مكلفة بمهمة دحض وتفنيد ما تروج له الجماعات الإرهابية والتكفيرية من مفاهيم وحجج يبررون بها مهاجمة قوات الجيش والشرطة، والمنشآت العامة، فكيف ستنهض بهذا العبء الثقيل فى ظل اقتناعها بأن الإخوان ظلموا، وأنهم كانوا يحملون الخير والبركة لمصر، وأنهم ليسوا مسئولين عن العنف والإرهاب؟

كنت انتظر مبادرة شجاعة وسريعة من القائمين على الأزهر لتنقية شرايينه مما تسرب إليها خلال العقود الماضية من سموم بواسطة الخلايا الإخوانية التى تسعى منذ مدة طويلة للسيطرة عليه، ونجحت فى إحكام قبضتها على اعداد كبيرة من طلاب جامعة الأزهر، علاوة على كوادرهم بين الأساتذة والمعيدين، وإن اتخذت اجراءات لماذا لا يكاشف الرأى العام بها للاحاطة بها وبتأثيرها؟. ولسنا فى حاجة لانعاش الذاكرة بالأخطار والألغام الكامنة داخل معتقدات الإخوان على الوطن بأسره، فنظرة فاحصة لما جرى بعد 30 يونيو كفيلة ببيانها.

ولا أفهم ما العائق أمام تنحية مسئولين يتعارض فكرهم ومبادئهم مع ما تؤمن به غالبية المصريين والدولة المصرية، وهل يجوز تركهم فى مناصبهم القيادية دون أن ندرى ما يدبرونه ويشاركون فيه من خلف الكواليس، فعلى المستوى الشخصى هم أحرار فيما يؤمنون ويعتقدون به، لكن مسئوليات مواقعهم تستلزم تجاوبهم وتفاعلهم مع ما فيه مصلحة البلاد، والا يكون هناك تداخل بين افكارهم ومقتضيات ومهام عملهم، فالفصل واجب فى جميع الأحوال، وذاك ليس محل اختلاف.

كما لا أفهم السر خلف عدم تحديث المناهج المقررة على طلبة المعاهد والكليات الأزهرية، ومعلوم أن أجزاء منها يوفر البيئة الحاضنة والمغذية للتطرف والتشدد، فنحن نحتاج لعقول مستنيرة فاهمة للإسلام وأصوله المعتدلة، عقول قادرة على الابداع والابتكار والتطوير، فالتجديد ليس عيبا ولا نقيصة حتى يتهرب منه الأزهر أو غيره من المؤسسات، وإن سألت عن امثال الإمام محمد عبده، والعالم الجليل عبد الحليم محمود الذين تخرجوا فى الأزهر إبان السنوات المنصرمة، فبكل تأكيد سيصعقك الجواب، فعددهم ضئيل للغاية ويكاد لا يذكر. وفى المقابل لا يطالعنا سوى وجوه كثيرة تربت وشبت على التشدد والشطط الدينى والفكرى، وإن راجعتهم وناقشتهم يتمسكون بأن أقوالهم وتعاليمهم مستمدة من الكتاب والسنة، وأن من لا يعجبه شرع الله ليبحث له عن شرع آخر.

ولعلنا نذكر بالخير بادرة الأزهر بالدعوة لعقد مؤتمر ضد الإرهاب جمع فيه من مختلف الأطياف الدينية الإسلامية والمسيحية، واتخاذه موقفا حاسما ضد داعش، غير أن بعضنا دهش من اعلان المشيخة أن داعش ليست كافرة، مستندا إلى أنه لا يكفر احدا، وأنه إذا كفر داعش فسوف يسير على درب التنظيم الذى استحل سفك الدماء وهتك الاعراض، وسبى النساء، وتطول قائمة جرائمه وعاره. الموقف السابق أثار علامة استفهام كبيرة حول مغزاه فى هذا التوقيت، حتى لو كان التبرير أنه جاء بعد ما نشر بشأن تكفير مفتى نيجيريا داعش خلال مشاركته فى مؤتمر الأزهر المناهض للإرهاب.

إن حرصنا على الأزهر واكتراثنا به وبحاله لا ينبع فقط من مكانته الرفيعة كمنارة للإسلام من مئات السنين، وإنما أيضا لأنه من المكونات الاساسية للشخصية المصرية وللوجه الحضارى لأرض الكنانة، وانطلاقا من هذه الزاوية فإنه مدعو لنفض الغبار عن عباءته، واستعادة بريقه ورونقه الناصع، وأن يتخلص من العوامل الداخلية المساعدة على ازدهار فكر الإخوان وداعش وغيرهما من التنظيمات المخاصمة لصحيح الدين وتحاول بكل طاقتها تفسيره على مقاس افكارها ومدركاتها، فالأزهر منارة ويجب أن يبقى كذلك.
&