ناصر زيدان

بدعوة من شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد طيب، انعقد في القاهرة بين 3 و4 ديسمبر/كانون الأول 2014 المؤتمر الدولي لمواجهة التطرف، بحضور وفود من 120 دولة، تقدمهم رؤوساء المذاهب الإسلامية من مختلف الدول العربية والإسلامية، وعلماء دين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى رؤساء الكنائس الشرقية، لاسيما العربية منها، وممثلين عن بعض الطوائف الأخرى التي عانت إجرام الجماعات الإرهابية .


نجح المؤتمر من حيث الشكل ومن خلال الحشد الكبير والمتميز للحضور، في التأكيد على الأهمية الاستثنائية لمرجعية الأزهر عند المسلمين قاطبة، إضافة إلى أهمية مكان انعقاد المؤتمر في هذا الوقت بالذات على الأراضي المصرية .


ومشهدية افتتاح المؤتمر، كانت متقدمة، بحيث شمل توزيع الكلمات مروحة متناسقة من الأسماء التي تحمل صفة التمثيل الشامل للقارات وللمرجعيات وللطوائف . وفي مضمون كلمات الافتتاح برز التناغم والتلاقي الواضح، لاسيما بين كلمات الإمام الدكتور أحمد طيب، وبابا الأقباط تواضروس الثاني بطريريك الكرازة المرقسية، والشيخ قيس آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً في التأكيد على أن المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تتخذ من الدين ستاراً لأعمالها، إنما هي بعيدة كل البعد عن تعاليم الأديان السمحاء، وتحديداً عن جوهر الإسلام الراقي والمتنور، والذي يحمل أهدافاً إنسانية بعيدة عن التعصب والانعزال .


أما البيان الذي صدر في نهاية المؤتمر، والذي سمي "بيان الأزهر العالمي" فقد عالج موضوعات كانت تحتاج لتأكيد من على مثل هذا المنبر . وتوقيته حمل معاني إضافية، وكانت تنتظره النخب العربية، وغير العربية، من أجل وضع حد للتأويلات وللاجتهادات المغلوطة، والمشوشة، التي كانت تصدر عن غير المرجع الصالح .


إن مساهمة المذاهب الإسلامية قاطبةً في اعمال المؤتمر، وضعت حداً لكل التحليلات التي تصور بعض هذه المذاهب خارج المسار الواسع والمتنوع للدين الحنيف .


ومشاركة ممثلي الطوائف المسيحية المتنوعة، خصوصاً منهم رؤساء الكنائس الشرقية، كان في وقته، وعبّر عن الصورة الناصعة للإسلام الذي لم يكن منغلقاً على الأديان الأخرى، كما صوره غلاة التعصب والتطرف .
والبارز الآخر كان مشاركة مندوبين عن مجموعات دينية متنوعة من الايزيدين وغيرهم . لعلّ ذلك تأكيد آخر على أن هذه المجموعات عاشت في كنف الإسلام مئات السنين من دون أن تجبر على التخلي عن معتقداتها، والاضطهاد الذي أصابها في الماضي، ويصيبها اليوم، ناتج عن عوامل سياسية، وإجرامية، ليس للإسلام كدين علاقة به .


وفي مندرجات البيان مجموعة من العناوين التي تحمل أهمية تاريخية، وأسهمت في إعلاء شأن المؤتمر من حيث المضمون:
* أولاً: التأكيد على أن ما ارتكبته الجماعات التكفيرية من عنف وقتل، وما أصاب المقدسات وأماكن العبادة والشواهد من تدمير، إنما يعتبر جرائم ضد الإنسانية جمعاء، والإسلام بريء من هذه الأفعال، ولا صلة له بكل ما يجري، وهي أفعال مدانة ترتكبها منظمات آثمة، تشوه صورة الإسلام .


* ثانياً: إشارة البيان إلى أن تعدد الأديان والمذاهب كان وسيبقى مصدر غنى للبشرية جمعاء، ولا يتعارض مع المعاني الإلهية التي تظلل العالمين .


* ثالثاً: من بين أبرز النقاط التي ذكرها البيان، التوضيح الصادق بأن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين تاريخية، وجرى تطويرها إلى مصاف المواطنة الكاملة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات . ودعوة المؤتمر المسيحيين إلى التشبت بالأرض وعدم الهجرة، كان لها معانيها البيضاء، وأغنت هذه المعاني إدانة المؤتمرين لعمليات التهجير التي تجري في بعض الأماكن، لاسيما في سوريا والعراق، واعتبار هذا التهجير جريمة مستنكرة .
* رابعاً: من الدلائل المتميزة لمضامين البيان الختامي، دعوة الدول الغربية إلى تقييم موضوعي للإسلام، من حيث كونه دين تسامح ومحبة وعيش مشترك . على عكس ما تصوره بعض الأوساط الغربية في قالب عنفي مقيت ومشوه، ما ينعكس سلباً عند فئة الشباب، ويولد انتقاماً، خاصة من بين المهمشين الذين يعانون البطالة والضياع .


إن مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف، يشكل مدماكاً إضافياً في صرح العلم والثقافة والإنسانية التي يعمل الأزهر لإرسائها، استناداً إلى التنوير الذي يدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف . والبيان الختامي، وثيقة تاريخية، تساوي بأهميتها وثيقة الأزهر للحقوق والحريات التي صدرت في 10 -1-،2012 بل وتزيد .