الياس الديري
كأنهم جميعهم كلّهم نسوا الوطن السليب، والأرض المغتصبة، والديار المقدّسة، التي باسمها ومن أجل تحريرها واسترجاعها من العدو الإسرائيلي المغتصِب هم الآن حيث هم في أعلى المناصب والكراسي، وعلى نيّتها احتلَّت الدبّابات وأرتال الجيوش الإذاعات والوزارات والإدارات والقصور.
وعلى رصّ الصفوف، وإعداد العدّة والعديد، وتحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وأشيائها، حوّلوا البلاد سجوناً كبيرة والمواطنين عبيداً لطاعتهم ومشيئتهم.
أينكم مما يتعرّض له الفلسطينيون منذ أشهر ومن المستوطنات الإسرائيليّة التي تكاد تمحو معالِم القدس والضفة، وتتّجه تالياً صوب غزّة، وربما أبعد؟
أنَسيْتم "أمجاد يا عرب أمجاد"، و"دُعاء الشرق"، "ويا فلسطين جينالك" و"سنرجع يوماً" و"سنرجع يا يافا"، لتغرقوا في "ربيع المذابح الأخويّة"، وتدمّروا دولاً بَنَتْها حضارات متتالية قبل آلاف السنين، وجعلتها أنموذجاً شرقيّاً ومنهجا ثقافيّاً لكل العالم الغربي وتطلّعاته حتى نحو التطوّر والعلوم التي وَفّرها المأمون في "بيت الحكمة"؟
دمَّرتم سوريا والعراق، مثلما سبق الفضل واشتركتم في تدمير لبنان تحت راية "نصرة فلسطين"، وكأنّ الشقيق الصغير هو الذي سباها وشرّد أهلها، لا إسرائيل التي تغضّون الطرْف عنها حتى وهي تقتل الفتيان وتحرقهم، وعلى أعين العالم بأسره.
ولا نقول على أعينكم أيضاً، لأن أبصاركم وأفكاركم مركّزة بكليّتها على ما تبقّى من مدن وقرى لم تبلُغها بعد آلة الدمار التي تشرفون على "رسالتها" ومسيرتها في اتجاه... القدس والضفة والأرض المغتصبة !
ما زالت ترنّ في خاطري ومَسْمَعي، أمام هذه المآسي والكوارث العربيّة، صرخة ذلك البدويّ الثائر الشيخ عبدالله القصيمي في وجه الطغيان والتخلُّف، متسائلاً بحرقة قلب: عيناك كيف لا تنفجران؟
وما زلت أعود إلى كتابه الشهير بعنوان "العرب ظاهرة صوتيّة" حين أرى آلة القتل العربية تحصد بلا شفقة ولا رحمة آلاف الأبرياء ليل نهار، وبكل الوسائل الإجراميّة التي اهتزّ لها ضمير العالم مصادفة، ثم لم يلبث أن عاد إلى غفوَته.
إلامَ وعلامَ كل هذا الإجرام وكل هذه الشراسة؟ من أجل فلسطين؟ كلا والف كلا. من أجل تطوير العالم العربي وتوحيد حركته الاقتصاديّة على الأقل؟ حاشى وكلا. من أجل تقسيم العراق وسوريا، وتفتيت العالم العربي، وإزالة معالم ذلك المشرق الذي كانت سوريا بوابته والعراق حضنه ولبنان جسره مع الغرب؟ هيهات...
كدنا ننسى مصر التي لا تزال غارقة في معاناة "خريف الإخوان"، ومحاولة استعادتها من فم الحوت قبل أي زلزال محتمل أو طوفان.
مصر بدورها غرقت في همومها، لتغتنم إسرائيل الفرصة الذهبيّة وتنقضّ على الضحيّة بلا هوادة، في غياب تامّ لأي صوت عربي أو أوروبي أو دولي.
&
التعليقات