دحام العنزي

الإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مرفوضة تماما، ولا نقاش فيها، وأولئك الذين تجرأوا على نشر صوره بشكل مسيء يستحقون الجزاء، ولكن عبر النظام والقانون، لا القتل والإرهاب

&


كل المحطات الإعلامية العالمية الكبرى كانت تنقل عبر ساعات طوال، أحداث وتحليلات هجوم بعض أشخاص ملثمين ـ لم يتم القبض عليهم بعد ـ على المقر الخاص بدار شارلي إيبدو، المجلة الباريسية التي نشرت قبل عامين رسوما مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.


ظهر أغلب زعماء العالم الأقوياء والمؤثرين لإبداء التعاطف مع الشعب الفرنسي والدعم للحكومة الفرنسية كالرئيس الأميركي أوباما ووزير خارجيته كيري وميركل مستشارة ألمانيا فضلا عن رئيس وزراء بريطانيا وغيرهم لإدانة الهجوم الانتحاري البربري كما وصفه الرئيس هولاند.


منظر الإرهابيين وهم يطلقون النار عشوائيا، فقط للقتل من أجل القتل، يبدو مقززا ولا إنسانيا، إذ تم تأكيد وفاة اثنا عشر شخصا ـ حتى كتابة المقال ـ بينهم شرطيان وعشرة من المدنيين من صحفيين ومارة.


أينما تتنقل بين مكائن الإعلام الغربية الكبرى كـcnn والـbbc وfox news وغيرها تجد تحليلا للحدث وآراء مختلفة، لكن هناك عاملا مشتركا دائما وهو الإشارة إلى متطرفي الديانة الإسلامية، حتى إن هولاند في اتصال هاتفي مع bbc قال إن فرنسا دخلت حربا مفتوحة لا هوادة فيها مع المتطرفين المسلمين ثم أردف قائلا: لا أقول مع المسلمين جميعا ولكن مع المتطرفين منهم؟!
للقصة جذور تعود إلى عامين مضت، حين نشر بعض صحافيي المجلة الشهيرة رسوما كارتونية مسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، عبارة عن صور متعددة على شكل سلسلة قصيرة تسخر من الرسول عليه السلام في قوالب كارتونية تصور النبي في حياته الخاصة، والبعض منها كان في غاية البذاءة.


لا نريد هذا الربط الذي يحاول الإعلام الغربي أن يصوره للناس بين الإرهاب والإسلام والمسلمين، بنسبة هؤلاء المتطرفين إلى الدين الإسلامي وهو منهم براء. تعاليم ديننا الإسلامي وأخلاقنا العربية لا تقبل ولا تقر قتل الأبرياء والغدر وترويع الآمنين تحت أي مبرر وذريعة، فقد كان بالإمكان اللجوء إلى القانون بخصوص الإساءة إلى المقدسات والأنبياء، حتى وإن كانت الحرية في فرنسا ـ خاصة فيما يتعلق بالنشر ـ لا حدود لها، فحرية الرأي مقدسة لديهم.
فرنسا أعلنت الحرب على "داعش" على لسان رئيسها الذي أكد أنه سيتتبع أفراد هذا التنظيم في كل مكان، وكأنه قد أشار بأصابع الاتهام إلى "داعش" قبل أن يتبنى التنظيم هذا الهجوم كعادته، فلم يعرف هوية الأشخاص الذين قاموا بقتل الصحفيين المستهدفين ومن شاء لهم سوء الحظ أن يوجَدوا أثناء هجوم هؤلاء الإرهابيين.


الإعلام الغربي كله دون استثناء ردد بصوت واحد أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام هي التي قامت بتدبير هذا الحدث الذي روع المجتمع الباريسي، ورسم الحزن على شوارع عاصمة الفن والعطور.
فرنسا كلها مذهولة ومرتبكة، وهذا يتضح من ردود أفعال كبار التنفيذيين وتصريحاتهم التي يبدو معها للمتابع أن أؤلئك المسؤلين وكما بقية المجتمع الفرنسي لم يفيقوا من هول الصدمة.
مجموعة من المخبولين يطلقون نيران مسدساتهم ورشاشاتهم بكل اتجاه لتحمل رصاصاتهم الموت لكل من حولهم، في مجزرة رهيبة ضحيتها ما يقارب الخمسين شخصا بين قتيل وجريح، ثم يتمكنون وعلى طريقة الأفلام الهوليودية من سرقة سيارة والمغادرة ليبدأ البوليس بالمطاردة ويفر المهاجمون.


الإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مرفوضة تماما، ولا نقاش فيها، وأولئك الذين تجرؤوا على نشر صوره بشكل مسيء وبذيء يستحقون الجزاء، ولكن عبر النظام والقانون والضغوطات والمقاطعة وعشرات الوسائل للتعبير عن الرأي، وليس إشاعة الفوضى والخراب وإهلاك الحرث والنسل بقتل عشوائي وترويع الآمنين من مسلمين وغير مسلمين، فالرصاص لا يفرق بين الناس حين يحصد أرواحهم.


التنظيم الإرهابي الذي نفذ مجزرة عرعر قبل أيام حين استشهد عدد من رجال الأمن هناك "رحمهم الله"، ولا يزال العقيد سالم العنزي شفاه الله يرقد مصابا بعد أن فجر أحد الإرهابيين حزامه الناسف بين المجتمعين حين احتال الإرهابيون بحجة تسليم أنفسهم، لا أستبعد أن يكون هذا التنظيم قد خطط لهذا العمل المروع واللاإنساني في باريس.


فهذا التنظيم لا يراعي حرمة لدم معصوم، وإنسانية تحترم، ولا يؤمن بإعمار الأرض كما أمر الله وليس تخريبا وإفسادا كما يفعلون هم.


ينبغي أن نعمل على إرسال الرسائل الممنهجة والمنظمة للإعلام الغربي والعالم الغربي، بأن هؤلاء لا يمثلون سماحة الإسلام وعدله وتحضره ورقي تعاليمه ووضوح الاهتمام والتركيز على صناعة الحياة فيه، إذ يهتم كثيرا بهذا الجانب.


نتعاطف مع الشعب الفرنسي عامة والمجتمع الباريسي خاصة ونتقدم بالتعازي لأهالي الضحايا، وندين هذا العبث تحت شعارات مسيسة في الأصل تتدثر بعباءة الأديان، ونشعر بالحزن لأربعاء شارلي إيبدو الباريسية وأحداثه التراجيدية.
&