من عرعر إلى باريس .. إنهم السفلة أنفسهم !

أحمد الحناكي

أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي أخيراً، أن أحد انتحاريي عرعر كان ممن أطلق من قبلُ، بعد أن أُدخل المركز المناصحة في وزارة الداخلية. وقبل ذلك كان أحد القتلة في الأحساء من خريجي المركز نفسه. وطبعاً سمعنا عن كثير من الإرهابيين الذين مرُّوا على المركز ثم أعلنوا توبتهم؛ لينتكسوا بعد ذلك في ما أعتبره -من دون شك- نتيجةً حتمية ومنطقية، فهل من المنطق أن تثق بمن غُسلت أدمغتهم بمخدر الإرهاب؟

&

ربما كان مركز المناصحة فكرة نيرة من حيث المبدأ، لكن النتائج تثبت حتى الآن أن هنالك خطأً ما، بل هو خطأ شنيع!

&

ما الذي أعطى جامعة هارفار أو أكسفورد أو جورج تاون أو يل أو غيرها تلك السمعة العظيمة؟ أهي المباني أم الأجهزة أم ماذا؟

&

جميعنا يعرف أن قوة الجامعات الغربية تكمن في الأدمغة العظيمة التي تديرها، واختيار هذه القدرات لا يتم بهذا التبسيط الذي نعالج به قضايانا المصيرية أحياناً. فالطالب الذي يُقبل يكون قد مر بمخاض عسير في تاريخه؛ ومنها أخلاقه وتعامله ونزاهته العلمية، فضلاً عن تفوقه.

&

إذاً نعود، وهذه الحال إلى مركز المناصحة لدينا ونسأل: ممن يتكون هذا المركز؟ من الذي يديره؟ ما مؤهلاتهم؟ أهناك تدخلات في عملهم؟ هل النصح مقصور على فئة من دون أخرى؟ هل نزلاء المركز متباينو المذاهب؟ لماذا نمنح الإرهابي فرصة وهناك من هو أولى بها؟

&

هناك معتقلون في السعودية -في غير القضايا الجنائية- لأسباب مختلفة، فلما لا يُعامَلون كما يُعامَل هؤلاء الإرهابيون؟ أمن المنطق أن نسمح لقاتل بأن يذهب طليقاً؛ بعد أن يُغدَق عليه ويُطبطَب على كتفه وتحل مشكلاته المادية والنفسية والاجتماعية؛ لمجرد أن هنالك أملاً ضئيلاً؛ بأن لا ينتكس ويقتل مواطناً آخر لا لسبب معين، بل لأن مَنْ حرضه أقنعه أن هذا هو الطريق إلى الجنة؟

&

ماذا سيقدم له مركز المناصحة أكثر من الجنة؟ طبعاً الجنة ليست بيد المركز، أو بيد المحرضين الأشرار، أو بيد الجناة الملوثة أيديهم بالدماء، لكن هؤلاء لا يفهمون ولا يستوعبون ولن يستوعبوا، ويظنون أن شيوخهم -محرضيهم- هم من بيدهم مفتاح النعيم الأبدي.

&

من الظلم والعبث أن تهدر الدولة أموالاً طائلة على مشروع نصح لعصابات إرهابية، بينما تستطيع بهذه الأموال افتتاح مدارس وأندية ومستشفيات ودعم عائلات محتاجة، وما أكثرها! سرطان الإرهاب لم يتوقف عند عرعر ولن يتوقف عند باريس، وإذا كان بعض أئمة المساجد تجاهلوا دماء شهدائنا في عرعر، فإن تفسير تنامي الإرهاب وانتشاره في الخارج ليس صعباً بحسب رأيي.

&

لكي نقضي على مواطن الإرهاب لدينا علينا أن نعترف أولاً بوجوده متغلغلاً، وألا تأخذنا لومة لائم بعقوبات صارمة، لكل من يحرض على العنف المسلح كائناً من كان، أو يبرر هذا العنف، حتى لو كان موجهاً إلى بلد آخر، كما حدث في باريس.

&

السكوت عن المحرضين والمبررين يخلق خلايا أخرى إرهابية مستهينة بالفعل، مادام رد الفعل سيكون صمتاً مريباً.

&

كنت أتمنى لو أن القتلة الآثمين رأوا دموع الأطفال والأهل والأصدقاء والزملاء لشهدائنا في عرعر، الذين تعاملوا بنبل أخلاقي وتجاهلوا خطورة أنهم يتعاملون مع سفلة، مقدِّمين أرواحهم فداءً للوطن عندما فتحوا أحضانهم مرحبين، ففاجأهم السفلة بالتفجيرات! ما الذي استفاده الانتحاريون غير اللعنة التي ستلاحقهم إلى الأبد؟ إنسانياً، يجب ألا ننسى الضحايا في باريس، وكيف كان تصرف القتلة غير الإنساني، فهم يتحججون بأن المجلة قد أساءت إلى النبي الكريم بكاريكاتور مسيء، وهو -إن صح- أمر مرفوض وساقط، لكن السؤال الكبير: ما الذي يمثله القتلة؟ أهم مندوبون من محكمة أو جهة تشريعية؟ لا يملك أخذ الروح وانتزاعها إلا خالقها، وهؤلاء السفلة أرادوا تطبيق ما يرونه، وهو أمر خطير، فلو طبق كل من أراد قانونه الخاص لتحولت الدول إلى غابات.

&

القتلة ذهبوا إلى الهاوية، ولكن ربما يستوعب أو يفهم محرضوهم أن أهدافهم قد خابت آمالها وفشلت فشلاً ذريعاً، فبنو وطني تجمعهم تحديات المفسدين أكثر، وتزيد تلاحمهم أكثر وأكثر.

&

أما في باريس فجريمة ما فعلوه، ومصيبة ما نتج منه، فأعيد طبع المجلة التي كانت توزع 60 ألف نسخة بما لا يقل عن 3 ملايين نسخة، وأعيد رسم الكاريكاتور نفسه، وفي الوقت نفسه تعرضت المساجد والمراكز الدينية إلى اعتداءات ومضايقات، ليس هذا فحسب، فهناك توجه لتشدد في قضايا الهجرة والأمن وغيرهاه، وسيكون المسلمون على قائمة ضحايا أي قانون قادم.. هل يا ترى هذا ما يريده القتلة؟
&