سمير عطا الله
هل كان زمننا جميلا حقا أم أنه يبدو كذلك لأنه مضى وبَعُدَ؟ أربعة مطربين بدل 2532.3. سبعة عشر كاتبا بدل 7522.4.3. هاتف واحد في المنزل، لا ينتقل ولا يتحرك ولا يجول ولا يصول، ولا يصوّر ولا يذكرك بموعد دواء السكري. هاتف واحد على طاولة الدار يرن مرة، مرتين، ثلاثا، جميعها قبل الثامنة مساء. هاتف أسود ضخم لا يرن بمواعيد التنزيلات على الحفاضات، ولا بأسعار البندورة الجديدة (1250.05 ليرة للكيلو). أسود مهيب مريع على الطاولة لا يعرف، ولا يريد أن يعرف، ولا يهمه أن تعرف شيئا عن توقيع كتاب لرجل يُحسد على قدرته على قراءة كتبه. قناطير كليشيهات وأكداس مفرغات كلامية. وكل من يشتري نسخة يأخذ معها هديتين؛ صندوق صابون بلدي، وصندوق مسحوق افرنجي.
أسود مربع هادئ صامت مثل الحكماء. وإذا رنّ فلسبب وجيه. أو صوت جميل. أو صوت ساحر «النمرة غلط؟». كان لجميع أهل البيت. والتلفزيون كان لهم وللجيران. ويوم الخميس لأبناء الجيران أيضا موعد عرض «الإخوة كارترايت» وخيولهم وبنادقهم وأبقارهم، وألاعيب الشقيق أصغر الأربعة جو جو كارترايت.
واليوم هاتف المنزل لا يزال ثابتا، لكنه لا يرن إطلاقا. ففي البيت لكل واحد هاتفه ورقمه. ولكل فريق في المنزل تلفزيونه وبرامجه. ولا جيران يحضرون لرؤية شيء. كل منزل له تلفزيونه. وكل كوخ له «دشّه». وكل جوال له رنته و«ميساجاته». وأنا لي ميساجات الحفاضات والكتب التي لا تصح عليها قراءة أو بيع أو شراء.
هل كان زمننا حقا أجمل؟ رسائل كثيرة في بريد الجريدة تطالب: «حدثنا عن الزمن الجميل». هل المقصود زمن لم يكن لدينا أكثر من ثمن عشاء بسيط، وسيارة عتيقة تغلي وتتوقف أول طلعة برمانا (MG 1100)، يوم كان الشح كثيرا، والفرح كثيرا، والهموم قليلة، والوقوف في طلعة برمانا نكتة تُروى في الأمسيات؟ وكانت الكتب قليلة وجميلة وبهية أو باهية، كما يقول الليبيون. ماذا فعلتم بدياركم الجميلة أيها السادة؟ لحساب من تخرّبون هذه المساحة الكبرى من الخير والتاريخ وحوض المتوسط؟
هل كان زمنا جميلا؟ كان هناك تلفزيون واحد، ونشرة أخبار واحدة، ونشرة طقس تكرر كل يوم أن الرياح شمالية جنوبية شرقية غربية معتدلة. وبعض الغيوم. هناك وفرة تلفزيونات اليوم، ووفرة نشرات، وهواتف ترن مؤكدة أن التنزيلات على الحفاضات أوشكت على الانتهاء. الحقوا حالكم.
التعليقات