مصطفى السعيد
&
يوم حاسم في تاريخ تركيا والمنطقة، فالانتخابات التركية التي تجري اليوم ستحدد مستقبل تركيا، بين حكم الفرد، أو استمرار الديمقراطية التعددية، التي يرفضها أردوغان صراحة، ويقول إنه يسعي إلي كسب أغلبية برلمانية تتيح له تعديل الدستور، ليتحول إلي النظام الرئاسي بدلا من البرلماني، وأنه يفضل نظام الحزب الواحد، واصفا التعددية السياسية بأنها خطر علي وحدة الأمة التركية، وتزعزع الاستقرار، وتدخل البلاد في صراعات بين الأحزاب تجر البلاد إلي الفوضي، التي ينبغي تجنبها، لتحقيق الرفاهية للشعب التركي.

جاءت هذه الانتخابات المبكرة بعد فشل حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في الحصول علي الأغلبية البرلمانية في انتخابات يونيو الماضي، فعرقل تشكيل حكومة ائتلاف وطني مع أي من الأحزاب الفائزة، ليتمكن من إجراء انتخابات مبكرة، قد تمنحه فرصة جديدة، ليحقق ما كان يحلم به.

وستلقي نتائج الانتخابات التركية بظلالها خارج الحدود التركية، وسيكون لها تأثير مباشر علي الحرب الدائرة في سوريا، والتي ترعي فيها تركيا الجماعات المسلحة، الساعية إلي احتلال سوريا، والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وهناك مؤشرات قوية علي أن تركيا لا توفر فقط الإمدادات من المقاتلين والسلاح والتموين، وإنما تدير المعارك مع شركائها، من خلال غرفة عمليات مركزية من داخل تركيا، ومن شأن تعثر أردوغان أن تفقد الجماعات الإرهابية في سوريا داعمها الرئيسي، خاصة بعد أن خسرت خطوط إمدادها من لبنان والأردن، لأن جميع الأحزاب المنافسة ترفض التدخل العسكري في سوريا، وتعتبره تورطا في مستنقع ينبغي تجنبه، بينما أردوغان يري سوريا بوابة حلمه في تمديد نفوذه علي المنطقة العربية، بمشاركة جماعة الإخوان، ليعيد أمجاد أجداده العثمانيين، ودولة الخلافة التي تروج لها جماعة الإخوان وباقي الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا والعراق.

ويمتد تأثير نتائج الانتخابات إلي ليبيا، التي يتلقي المسلحون فيها الدعم المباشر من أردوغان، عبر بواخر جري ضبط وإبعاد بعضها أكثر من مرة، ومن شأن انتصار الجماعات الإرهابية في ليبيا، أنه سيتمكن من تهديد مصر، التي يحمل لها ضغينة كبيرة، لكونها أسقطت حكم الإخوان، الذي يعتبرها الحصان الذي يحمله إلي عرش دولة الخلافة «الإسلامية».

اعتمد أردوغان في حملته الانتخابية علي تخويف الأتراك من استمرار حالة عدم الاستقرار التي تمر بها تركيا، وأن عدم فوزه بنسبة كبيرة سيقود تركيا إلي الفوضي، مركزا علي أن تركيا هدف للإرهاب الكردي، الذي يمثله حزب العمال الكردستاني، بل ويشيع أن تنظيم «داعش» الذي دعمه طويلا يشكل تهديدا جديدا لتركيا.

واستبق الرئيس الانتخابات البرلمانية بعمليات دهم واسعة الخميس الماضي، شملت قنوات تلفزيونية وصحفا مستقلة، وهاجمت الشرطة مكاتب قناتين وصحيفتين واعتقلت إعلاميين وصحفيين، وجري تنصيب مدير مؤقت لها.

التصويب علي المؤسسات الاعلامية يثير المخاوف من حدوث تجاوزات يريد أردوغان أن يغمض أعين الإعلام عنها، خاصة أنها تجري في فترة الصمت الانتخابي، التي لا يجوز فيها الترويج أو مهاجمة الأطراف التي تخوض الانتخابات.

كان أردوغان قد خفض عدد مراكز الاقتراع في معاقل حزب الشعوب الكردي في جنوب شرق تركيا، بدعوي أنها مناطق خطرة، يمكن أن تتعرض لهجمات إرهابية، آملا في خفض معدلات التصويت في مناطق نفوذ غريمه حزب الشعوب الكردستاني، غير أن استطلاعات الرأي تشير إلي أن أعداد المشاركين المتوقعين في الانتخابات قد يصل إلي 90% بزيادة 10% على الانتخابات الأخيرة، وهو ما لا يصب في مصلحة أردوغان وحزبه.

كما شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا جديدا بين أردوغان وأبوه الروحي فتح الله كولن، وجري نشر صورة واسم كولن في قائمة المطلوبين بتهمة الإرهاب، ووصف أردوغان معلمه كولن بأنه لا يقل خطورة عن عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، وأنه يهدد استقرار وتماسك الأمة التركية، ورد عليه كولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية في مقال بجريدة نيويورك تايمز بأن أردوغان يهدد المجتمع المدني، ولديه نزوع قوي إلي إقامة حكم استبدادي، ينفرد فيه وحده بالحكم، ورد أردوغان بلكمة جديدة لـ «كولن» بمصادرة بنك آسيا، وحصار مؤسسة «خدمة» التي يديرها أنصار كولن، وتدير مجموعة كبيرة من المدارس والجامعات والمؤسسات الخيرية ووسائل الإعلام، والتي كانت الداعم الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، بل يراها المراقبون صانعة شعبية حزب العدالة والتنمية، والدرج الذي رفع أردوغان إلي سدة الحكم.

هكذا اشتعلت الساحة التركية باستقطاب واحتقان غير مسبوقين، غير أن استطلاعات الرأي مازالت تتراوح حول النتائج التي حققتها الأحزاب الأربعة الكبيرة في يونيو الماضي، بما يجدد الأزمة، وإذا أصر أردوغان علي إجراء جولة ثالثة، ورفض الدخول في حكومة ائتلافية، فإن جدران الحياة السياسية يمكن أن تتصدع، وهو ما يفتح الباب أمام تدخل المؤسسة العسكرية، التي كان أردوغان قد نجح في إبعادها عن الساحة في عام 2010 عندما أجري استفتاء يمنع تدخلها في السياسة، بتأييد من الاتحاد الأوروبي، لينهي نحو نصف قرن من السيطرة المباشرة أو غير المباشرة للمؤسسة العسكرية علي الحياة السياسية.

ويدخل أردوغان الانتخابات وسط ترد سريع في الاقتصاد التركي، فقد تراجعت الصادرات من 173 الي 143 مليار دولار، وانخفض دخل الفرد بواقع 340 دولارا سنويا، وخسرت الليرة التركية 30% من قيمتها أمام الدولار، وتراجع معدل النمو من 8% الي 3% ، وتواصل البورصة خسائرها، لكن أردوغان يقول إن السبب في هذا كله أن الشعب لم يصوت له في انتخابات يونيو، وإذا لم ينتخب حزبه هذه المرة فإن الأسوأ ينتظره.