هل يشرك السيسي المجتمع المدني في الحكم أم ينفرد به؟… والسلطة مسؤولة عن عزوف المصريين عن التصويت


حسنين كروم
&

&كل الاهتمام الإعلامي والشعبي اتجه منذ صباح الأحد إلى الكارثة التي تعرضت لها مدينة الإسكندرية، بسبب هطول الأمطار الغزيرة، وكانت فضيحة للحكومة بكل المقاييس، وسيطرت على برامج القنوات الفضائية، ثم صحف أمس الاثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول، ويكفي أنه تمت إقالة المحافظ في اليوم نفسه.


كما ظل الرئيس السيسي يتابع الموقف، ودعا لاجتماع عاجل لمجلس الوزراء بكامل أعضائه يوم الاثنين لمناقشة أسباب الكارثة، التي تمثلت في عدم استعدادات المحافظة والأحياء للأمطار، فكانت البلاعات مسدودة، وتسربت المياه إلى بعض المنازل والمحلات، وأعاقت المرور في الشوارع، ولولا تدخل سيارات الجيش بسرعة لشفط المياه لكانت الخسائر أكثر، وكان غضب الأهالي من النوع المثير للخطر لأن اتهاماتهم لم تتركز على المحافظ فقط، وإنما على من اختاره لهذا المنصب، رغم الاعتراضات عليه، وكذلك لعدم اتخاذ أي إجراءات ضد الفساد المتزايد في الأحياء، ورغم أن الأمطار سقطت في عدد آخر من المحافظات إلا أن ما حدث للإسكندرية كان شيئا آخر، خاصة أنه تزامن مع استمرار أزمة انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار، وما يقال عن أزمة حقيقية في الاحتياطي النقدي، والحيرة في كيفية الحد من استيراد السلع بسبب اتفاقية منظمة التجارة العالمية، مع استمرار ضغوط رجال الأعمال من أصحاب المصانع الذين يعانون من الاستيراد.


ومع ذلك تواصل الاهتمام بانتخابات الإعادة التي ستبدأ يوم الثلاثاء وغدا لانتخاب مئتين واثنين وعشرين عضوا من أربع عشر محافظة، واغتيال مرشح حزب النور وأمين محافظة شمال سيناء مصطفى عبد الرحمن، وهل سيؤدي ذلك إلى تعاطف شعبي مفاجئ مع النور، إضافة إلى ما حدث في الإسكندرية وهي معقل الحزب؟ الله أعلم .


أما كيف سيواجه النظام ما حدث في الإسكندرية وأزمة الدولار فقد أخبرنا زميلنا الرسام إسلام في جريدة «الوطن» أنه حضر اجتماعا عقدته لجنة إدارة المخاطر والكوارث وسمع رئيسها يقول للعضوين:
- أنا شايف أننا نستغل غرق شوارع الإسكندرية ونرمي الدولارات في المية ونعدها فسعرها يقل والميه تنشف ويبقي ضربنا عصفورين .
فرد الاثنان في صوت واحد: مظبوط سعادتك


أيضا أبرزت الصحف الاجتماع الذي عقده الرئيس مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وقد أرادت الدولتان الرد على ما يثار حول وجود خلافات بينهما بالنسبة لسوريا، وجاء الرد بالاتفاق على إنشاء مجلس تنسيق بينهما للتعاون المشترك والارتقاء بالتعاون في كل المجالات وتواصل المشاورات لينعقد المجلس المشترك بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، وعقد اجتماعات طارئة إذا استدعى الأمر ذلك. كما عقد وزير الخارجية سامح شكري وعادل الجبير محادثات أخرى ومؤتمرا صحافيا أكد فيه على تطابق الموقفين المصري والسعودي نحو سوريا، وهو غير حقيقي وفيه مجاملة من مصر، اللهم إلا إذا كان التطابق في الحفاظ على وحدة سوريا لأن مصر أعلنت رسميا تأييدها للضربات الروسية الجوية. أيضا استمر اهتمام الأغلبية بنتائج مباريات الفرق في الدوري العام لأندية الدرجة الأولى. وإلى بعض مما عندنا..

الأحزاب ليس لها وجود حقيقي في الشارع

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على انتخابات المرحلة الأولى لمجلس النواب، وحالة اليأس التي انتابت الكثيرين بسبب تدني نسبة المشاركة فيها، والتي وصلت إلى ما يقرب من سبعة وعشرين في المئة في الأربع عشرة محافظة، التي أجريت فيها، ولم تفز فيها إلا قائمة «في حب مصر» بستين مقعدا وأربعة فقط من الفردي. وستتم الإعادة اليوم الثلاثاء وغدا على مئتين واثنين وعشرين مقعدا، بينما الحقيقة التي لم يلتفت إليها الكثيرون أن هذه النسبة هي السائدة باستثناء انتخابات 2011، التي تجاوزت فيها نسبة المشاركة الخمسين في المئة. وما زاد من حالة اليأس أن الرئيس السيسي وجه قبلها بساعات كلمة خاصة إلى الشعب، دعاه فيها للنزول بكثافة للتصويت، لأن المجلس المقبل هو الأهم، أي أن شعبيته الضخمة لم تقنع كل أنصاره ومحبيه للنزول، ما دعا البعض للتسرع واستنتاج أن شعبيته تناقصت بدرجة كبيرة، بينما الحقيقة هي أنها كشفت عن درجة عالية من الوعي الشعبي، فعندما نزلت الجماهير تلبية لندائه لتفويضه عندما كان وزيرا للدفاع لمقاومة الإرهاب، ثم مرة أخرى لانتخابه فعلت ذلك بدوافع وطنية عامة لا علاقة لها بأحزاب أو انتماءات سياسية. أما الآن فإن الرئيس يدعوها للنزول للتصويت لصالح أحزاب ومرشحيها أو مستقلين. وفي مجلة «روز اليوسف» (قومية) التي تصدر كل سبت شارك زميلنا إبراهيم الجارحي في الموضوع بقوله: «ليس مسؤول الدولة من يحشد المواطنين للتصويت في الانتخابات، فهذا دور الشارع السياسي بكل مكوناته من أحزاب وجماعات سياسية وأفراد وإعلام، وبالتالي لا تلام إلا هذه الجهات، إذا ما جاء الإقبال على المشاركة السياسية في عملية انتخابية ضعيفا، ولا يخفى على أحد الحال المزري للأحزاب السياسية التي تملك مقرات ولافتات لا يقابلها وجود حقيقي في الشارع، كما لا ينكر أحد أن حالة الإعلام المصري اليوم بائسة إلى حد لا يستاهل حتى الشفقة، وقد أنصب جل اهتمامه على سفاسف الأمور، التي يصنع لها قيمة من العدم ويجعلها على رأس الأولوية في لوحة عبثية لا يمكن أن تنتج مع حالة الشارع السياسي الرثة إي مشاركة شعبية مشرفة، أما تصور أن نسبة المشاركة تمثل تصويتا على الثقة في النظام الحاكم برمته فهو تصور تحكمي يجاوز منطق الأمور، على الرغم من قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع شعبيته الشخصية على المحك بدعوته الجماهير المصرية للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي الذي سيتوج خريطة الطريق التي يقودها الرئيس، وهي مخاطرة سياسية اعتادها الرئيس، رغم ما عليها من محاذير. كما أنه لا يمكن الحكم على نسبة الإقبال على الانتخابات من القراءات الأولية للمرحلة الأولى التي تشارك فيها تسع محافظات من محافظات الصعيد المعروف عنها نسب الإقبال المنخفضة، مقارنة بمحافظات المرحلة الثانية ذات الكتل التصويتية الأكبر وتتذكر الإحصائيات أيضا نسبة مشاركة أقل من ثمانية في المئة شهدتها انتخابات الشورى في عهد الإخوان، من دون أن يزعم أحد حينها أن هذه النسبة استفتاء على حكمهم».

نواب يطالبون بتعديل الدستور لصالح الرئيس!

أما أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة ومستشار جريدة «الوطن» الدكتور محمود خليل فإنه في عموده اليومي «وطنطن» وجه كلامه إلى الآتية أسماؤهم: «قبل المرحلة الأولى للانتخابات ذكر سامح سيف اليزل المقرر العام لقائمة «في حب مصر» أن نواب قائمته سيطالبون بتعديل عدد من مواد الدستور التي تحد من صلاحيات الرئيس، بهدف منحه صلاحيات أكبر وأوسع على حساب صلاحيات مجلس النواب. تكرر الأمر نفسه مع النائب عبد الرحيم علي أحد الفائزين بمقعد برلماني في المرحلة الأولى قال عبد الرحيم في حوار له مع جريدة «الوطن» إنه يجد أن من ضمن مهامه العمل على تعديل المواد الدستورية الخاصة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية، لأنه لا يمكن لرأس الدولة أن يعمل وهناك سيف على رقبته. أسأل عن حكاية السيف المسلط على رقبة الرئيس والمتمثل في «سحب الثقة» والذي لا يستطيع العمل بسببه: هل تتصور «أيها النايب» أن إلغاء المواد التي تنص على ذلك سينجّي الرئيس من شعبه إذا أراد التغيير؟ لن أرد على هذا السؤال لكنني سأُسمعك رد الرئيس نفسه عليه! ذكر الرئيس السيسي في كلمته أمام قمة شرم الشيخ – مارس/آذار الماضي- أن إرادة المصريين هي التي حققت التغيير في ثورتي 25 يناير/كانون الثاني و30 يونيو/حزيران، وأشار إلى أنهم قادرون على التغيير، وأن الشعب إذا أحب تغيير «الرئيس» مرة أخرى فسيغيره، هذا كلام السيسي نفسه للعرائس التي تثرثر اليوم بهذا اللغو.
نعم الشعب الآن هو صاحب القرار وعلى الرئيس الذي استوعب هذه الحقيقة أن يأخذ في الاعتبار أن تلك «العرائس» تتشابه كثيراً مع «العرائس» التي ظهرت على مسرح «نواب 2010» الذي أدى إلى ثورة يناير وعلى مسرح «نواب 2012» الذي قاد الشعب إلى النزول في يونيو. العرائس التي ظهرت في الحالتين لم تستطع أن تنجّي القيادة من الشعب حين غضب وقد أصبح الرئيس مطالباً الآن بأن يخرج على المصريين ويعلن موقفه من رطرطة «العرائس» الجديدة حول تغيير الدستور الوقت أصبح ضيقاً».

ارتفاع الأسعار قصم ظهور المصريين

ومن «وطن» الأحد إلى «وفد» الأحد ذاته وزميلنا كامل عبد الفتاح وقوله: «بكل تأكيد أنا ممن فرحوا وامتنوا للموقف الشعبي من حزب النور، ذي المرجعية السلفية المنافية لمنطق التطور التاريخي، والمسجونة داخل صناديق الأفكار البالية التي اعتلاها صدأ الجمود. أما الموقف من السلطة وسياساتها من بعد 3 يوليو/تموز فإنني أتفهم كثيراً الأسباب التي دفعت بالكثيرين لالتزام بيوتهم في مشهد أقرب ما يكون للاحتجاج السلمي على كل ما حدث ويحدث منذ أكثر من عامين، وأتصور أن السلطة في مصر هي المسؤولة عن حالة العزوف تلك. لقد انتظرت غالبية المصريين من البسطاء وضعفاء الحال أن تنحاز السياسات المطروحة لواقعهم وهمومهم ومشاكلهم، ولم يجدوا إلا لهيباً في الأسعار قصم ظهورهم وأرهق نفوسهم وأهان جيوبهم الخاوية، توقع الناس أن يكون للدولة موقف ويد طويلة تثأر لهم من جشع المستغلين، إلا أن ما حدث أن الدولة بأجهزتها وقفت تتفرج على المشهد ولا تزال. أما الإعلام وبهلواناته فقد انصرف لمعارك هزلية وصراخ ونواح».
إنحدار الخطاب الإعلامي

أما أخر زبائننا في هذه القضية وأجملهم فستكون زميلتنا الجميلة مها الوكيل التي هاجمت أمس الاثنين في «الأهرام المسائي» من قالت إنهم الإعلاميون الذين تطاولوا على المواطن بسبب عدم إقباله على التصويت: «الأبواق الإعلامية الموالية أو المهللة للحكومة انحدرت بها لغة الخطابة إلى أسفل سافلين. يملأون الدنيا صياحا كاد أن يصل إلى حد استجداء المواطن أن يصوت، في انتخابات لا يبدو أنه يرضى عنها، حتى لو بنسبة ضئيلة. لم يفكر أي من أنصاف الإعلاميين هؤلاء أو ممن تعالوا وعلوا على الشعب القائد والمعلم. كان ذلك استرضاء للرئيس من وجهة نظرهم وحبا في الإبقاء على مراكزهم. لم يفكر أي من هؤلاء لماذا كان رد الفعل اللامبالي من الشعب تجاه التصويت، وفي أسباب الغضب المكبوت في صدور المواطنين، وهم أنفسهم من كانوا ينتفضون لتلبية نداءات رئيسهم الذي اختاروه عن اقتناع وحب وثقة. لم يفكروا أن الشعب هو ولي النعم هو من أتي بهم عبر ثورتين، وهو القادر على الإتيان بغيرهم فتطالوا عليه بغير حق».

حزب «النور» حصد 11٪ فقط في الإسكندرية

لا تزال حكاية حزب النور وما لاقاه من هزيمة تشغل بال الكثيرين، رغم أنها لا تستحق كل هذه الضجة وذاك المهرجان، لأن الحزب لم يخسر إلا في القائمتين، أما المنافسة في الإعادة على مئتين واثنين وعشرين مقعدا فستبدأ اليوم وغدا، وبعد إعلان النتيجة يمكن الحديث عن حجم المكسب والخسارة، ليس بالنسبة للنور فقط وإنما لجميع الأحزاب والمستقلين، ومع ذلك لا بأس من الإشارة إلى بعض السعداء مما اعتبروه منفعة للنور.
وأولهم صديقنا الرئيس الشرفي لحزب الوفد ورجل الأعمال أحمد عز العرب الذي صاح في «الوفد» يوم السبت قائلا: «رغم كل ما شاب العملية الانتخابية من حضور متدنٍ، أرى أن سببه الأول قانون الانتخاب العجيب المعقد، فقد أعطى هذا الشعب العظيم درسين حاسمين لكل من يريد أن يتعلم. الدرس الأول كان اكتساح قائمة «في حب مصر» لكل الدوائر ومن الجولة الأولى وغني عن البيان أنها القائمة المؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يدل على أن ثقة المصريين في ابن مصر البار عبد الفتاح السيسي مازالت في عنان السماء. والدرس الثاني الذي أعطاه الشعب العظيم لتجار الدين أن مصر في انتخابات نزيهة شفافة شهد بنزاهتها العالم كله ترفض تماماً أن تعود للعصور الوسطى. وكان الألم المضاعف الذي تضمنه هذا الدرس لتجار الدين أن تقع هذه الصفعة على وجوههم في عقر دارهم، وما قيل أو زعم أنه مركز الثقل في بوتيك تجارتهم الدينية وهو مدينة الإسكندرية بالذات، التي لم يحصد المتأسلمون من أصواتها سوى 11٪ رغم كل ما فعلوه وما أنفقوه من مال حرام دفعته لهم القوى الشريرة المعادية لمصر».

النور افتقد الرؤية الإستراتيجية

ومع ذلك فقد لقي النور قدرا من التفهم والتعاطف من بعض من ينتمون للتيار الديني، مثل صديقنا الأستاذ في جامعة أسيوط الدكتور محمد حبيب، النائب الأول للمرشد السابق للإخوان المسلمين ومقاله يوم الأحد في «المصري اليوم» وقوله فيه: «الهزيمة التي منيت بها قائمة حزب النور كانت متوقعة، إذ مما لا شك فيه أن فشل الإخوان في إدارة شؤون الدولة في العام الذي حكموا فيه مصر، ألقى ظلالا سلبية على شعبية التيار الإسلامي كله، بما فيه حزب النور. كما أن انفضاض بقية التيار السلفي عن حزب النور بسبب موقفه من ثورة 30 يونيو/حزيران و3يوليو/تموز سحب البساط من تحت قدميه، وقد وددت أن تتخذ الهيئة العليا للحزب في اجتماعها الخميس الماضي قرارا بالانسحاب من الانتخابات كمرشحين وليس كناخبين، إلا أن الهيئة المذكورة أقرت بالإجماع أن تمضى قدما في استكمال العملية الانتخابية حتى نهايتها. من الضروري للحزب أن يعيد النظر في المنافسة على مقاعد المجلس النيابي فهو يفتقر إلى الرؤية الإستراتيجية ولديه اضطراب فكري في مواقفه السياسية، علاوة على غياب القامات والرموز الوطنية على المستوى المجتمعي العام».

النور عبّد الطريق أمام
التيار السلفي للمشاركة السياسية

وفي «المصريون» الأسبوعية المستقلة التي تصدر كل يوم وذات الاتجاه الإسلامي فقد أبدى رئيس مجلس إدارتها وتحريرها زميلنا جمال سلطان تعاطفا مع النور بقوله عنه:
«لا أختلف مع الدكتور يونس مخيون أو الشيخ ياسر برهامي على أن الانتخابات لم تكن نزيهة، فلا توجد فرص متكافئة. كما لا أختلف معهما على أن الحملة الإعلامية ضد الحزب كانت غير شريفة وبالغة العنف، وأن إعلام الدولة الرسمي شارك فيها. إن خسارة حزب النور هي خسارة سياسية أخرى للسيسي نفسه، لأنه جزء من رهانه، وما حدث ربما يقوي الجناح الرافض للحزب في السلطة الحالية وأجهزتها، الذي يرى أن الرهان عليه كان في غير محله، وأنه فشل في أن يكون «بديلا» في الحالة الإسلامية. غير أن القدر المتيقن منه أن السيسي ليس في وارد التخلي عن حزب النور، لأنه ما زال بحاجة إلى تلك «الرمزية». حزب النور لن ينسحب من الانتخابات، رغم كل تلك الضجة، كما أنه لن ينسحب من العمل السياسي، لأن تكاليف الانسحاب في الحالتين أكبر من قدرته على تحملها، خاصة أن الحزب يمثل مظلة حماية لكوادر في الحالة السلفية من موجة العصف المجنونة، التي تستبيح كل شيء الآن. ونجاح الحزب في تحقيق أي اختراق للبرلمان الجديد ولو بعدد محدود من المقاعد سيكفي لحفظ موقعه في الخريطة السياسية، خاصة أنها خريطة بلا أحزاب حقيقية تقريبا، رغم كل شيء تؤكد على أن حزب النور يتقلص دوره وقدراته وأنه بقياداته الحالية وتاريخه القصير لم يعد مؤهلا لتحقيق اختراق جديد في الحالة الإسلامية، خاصة الحالة السلفية، فهو حزب بلا مستقبل حقيقي الآن، وربما ولد من رحمه حزب جديد أو قوة سياسية جديدة تنقل الحالة السلفية نقلة جديدة، لكن يحسب لحزب النور بعيدا عن الأخطاء السياسية، أنه عبد الطريق أمام التيار السلفي للمشاركة السياسية، ومنح الأجيال الجديدة خبرة عملية حقيقية كان من الصعب أن يتحصل عليها السلفيون في ذلك المدى الزمني القصير. كما منح التيارات الإسلامية تعددية سياسية كان يفتقدها منذ نشأته في مصر قبل أكثر من ثمانين عاما، حيث كان الإخوان يحتكرون المشاركة السياسية، فأصبح أمام الإسلاميين الآن ومستقبلا بدائل سياسية سلمية، لكل منها خبراته ومناهجه. كما أن هذه التعددية التي نجح في توليدها حزب النور بتجربته القصيرة تعطي ثراء حقيقيا للحالة السياسية في مصر، وهو ثراء سيدرك الجميع قيمته وإيجابياته في ما بعد زوال الارتباك الحالي والتجاذبات المشحونة بالقلق أو المرارة، وبعد استعادة الشعب لمساره الديمقراطي الصحيح».

عبء تصحيح أخطاء الفترة الماضية

كما نشرت الجريدة مقالا آخر لهشام النجار عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق قال فيه: «حزب النور لم يفشل كما يروج ويشمت الجميع ـ وأنا هنا أتحدث كمراقب فلا انتمى حزبياً لهذا ولا ذاك – لأنه لا يزال ينافس على 24 مقعدا فرديا في الإعادة ولا تزال أمامه فرصة في الفوز بـ10 مقاعد على الأقل في المرحلة الأولى، فضلاً عن نتائج المرحلة الثانية. هذه النتيجة التي أحرزها حتى الآن جيدة بالنظر إلى حجم التحديات التي قابلها الحزب في الفترة الماضية، مع دخوله المعترك الانتخابي، ومع إرادة معظم القوى إعاقة تقدمه وتحقيقه نتائج كبيرة، سواء إسلامية أو مدنية، ورب ضارة نافعة، فما تعرض له النور من هجوم فضلاً عن عوامل أخرى داخل الحزب وداخل الحالة السلفية برمتها أدت لتلك النتائج، يصب في مصلحة الحزب من حيث لا يدري قادته والمنتسبون إليه، فحصولهم على نتيجة كهذه ستجعلهم أكثر ميلاً للتوافق وستجبرهم على التواضع والتدرج في المشهد السياسي وصولاً إلى النضج والمستوى السياسي الاحترافي على المدى المنظور، بعد تمرس في المشهد لسنوات طويلة تتيح لهم تربية الكوادر واعتياد التعايش والتنوع والوعي الكامل بطبيعة الحالة السياسية والحزبية، مقارنة بالسيناريو الآخر في حال حصلوا على نتائج كبيرة بصورة مفاجئة في بداية ولادة الحزب وحداثته في المشهد، وهذا سيؤدي حتماً لتكرار فشل الإخوان نتيجة الشعور بالغرور والتضخم بدون خبرات وتجارب ممتدة. والمنطقي ألا يسمح هو بذلك بمبادرة ذاتية لا أن يجبره الآخرون على ذلك. حزب النور كممثل للإسلاميين عليه عبء تصحيح أخطاء الفترة الماضية، والبدء بخطاب وأداء مختلف تماماً عن غيره من أحزاب التيار الإسلامي، لكنه يبدأ اليوم بالأسلوب نفسه وبإثارة القضايا الإشكالية نفسها التي أراها ستتسبب في فشله سريعا ولحاقه بمصير من سبقه ما لم يتدارك أموره سريعاً».

المصريون يريدون
فهم حقيقة ما يجري في بلدهم

وإلى لعبة الجنيه والدولار على طريقة السلم والثعبان، وهي المشكلة الأخطر الآن لأنها تتعلق بمصير البلاد واقتصادها، وعيشة الناس. وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وتضارب الأنباء والحقائق حول الأسباب دفع زميلنا في «الأخبار» علاء عبد الهادي لأن يقول يوم الأحد: «الناس عايزة تفهم حقيقة الأوضاع الاقتصادية والصعوبات التي تواجه الحكومة، وعايزة حد يرد عليها ويقول لها إن ما يتم ترويجه بشأن علاقة قناة السويس الجديدة بأزمة الدولار غير حقيقي، وإن هذه هي تفاصيل الحقيقة. الناس وثقت في السيسي ثقة بلا حدود، ولكنها لا تثق في الحكومة اللي راحت ولا حتى الحالية لا رؤية ولا فلسفة عمل، مجرد كلام في كلام.
الناس تتحدث الآن في موضوع الدولار وتريد أن تفهم لماذا تتراجع حصيلته؟ ولماذا لا يوجد تصنيع ولا تصدير؟ قد يتفهمون تراجع السياحة بسبب الحرب على الإرهاب ولكنهم لن يعذروا إغلاق المصانع وهروب رجال الأعمال وتطفيش المستثمرين، الناس عايزة تعرف لماذا تراجعت عوائد المصريين في الخارج؟ هل وراء الأمر إنّ؟ وإذا كانت منابع الدولار قد جفت فلماذا أصلا لم ينشط التصدير بعد أن أصبح الجنيه هزيلا؟
المناخ العام سيئ والناس في حالة تململ و«المود» العام في أسوأ حالته والحكومة بصمتها تغذي كل هذا».

الابتعاد عن الفضائيات&في صالح الاقتصاد وسوق الصرف

وفي «وفد» الأحد أيضا قالت زميلتنا الجميلة نيفين ياسين: «عقب تولي الأستاذ هشام رامز لمنصبه كمحافظ للبنك المركزي فوجئنا بأحاديثه المتوالية على الفضائيات والجرائد، وبات يظهر بشكل متكرر عقب كل قرار يصدره ليفسره ويبرر سبب صدوره، وقد كان لهذا التصرف مردود سلبي لدى الرأي العام، وأيضًا الخبراء، ورغم علمي وتأكدي من سلامة غرض محافظ المركزي من هذا الظهور لكشف حقيقة، أو الرد على استفسار لإزالة لبس أو لغط حيال قراراته، إلا أنه جاء بمردود عكسي وسلبي على نواح أخرى عديدة، فكان الأجدى والأهم توضيح وتفسير الأمور للقيادة السياسية فقط، طالما هو متأكد وواثق من سلامة قراراته، وأنها تصب في صالح الوطن، وليس فئة محددة. الآن بعد إعلان هشام رامز استقالته وتصريحه للجميع بأنه لم يعد قادرًا على مواجهة المشاكل الناتجة عن الخلاف بين السياسة النقدية والمالية، وضغوط المستوردين لعدم تحريك الجمارك، وبعد الإعلان عن القرار الجمهوري بتعيين المصرفي الخبير طارق عامر رئيس البنك الأهلي سابقا محافظا للبنك المركزي خلفا لرامز، اكرر الكلام نفسه والنصيحة نفسها له بالابتعاد عن الظهور في الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، إلا في حالات الضرورة القصوى، وفي وقت يكون ظهوره مهم ولا بديل عنه لصالح الاقتصاد وسوق الصرف».

المطالبة بحظر استيراد
أي سلع لها مثيل محلي

وفي العدد نفسه كان رأي زميلها وصديقنا رئيس التحرير الأسبق عباس الطرابيلي هو:
«أعجبني رأى رجل الأعمال المصري الكبير محمد فريد خميس، بصفته رئيساً لاتحاد جمعيات المستثمرين، عندما كشف عن 46 مليار جنيه قيمة سلع مستوردة يمكن الاستغناء عنها، وقال الاتحاد في بيان أصدره إن قائمة هذه السلع تمثل أخطر عناصر الضغط على العملة الصعبة، بينما منها ما يمكن الاستغناء عنه أو هناك ما يكفى منها للاستهلاك المحلي، ونجد في قائمة ما نستورده ما يجعلنا نقف خجلاً، وكأننا شعب لا يعاني مشكلة اقتصادية، كأننا من مجتمعات شديدة الرفاهية كيف نستورد ملابس أطفال بحوالي خمسة مليارات جنيه؟ فهل عجزنا تماماً عن إقامة صناعة جيدة لملابس الأطفال؟ فضلاً عما أصاب صناعة ملابس الكبار، أم أن كل ذلك بسبب إهمالنا لزراعة القطن، وعدم دعمنا لصناعة الملابس الجاهزة وإذا كان ضعف الإنتاج المحلي من الأسماك قد سمح باستيراد أسماك الماكريل التي يقبل عليها الرجل البسيط ليأكل، إلا أننا نتساءل عن سر استيراد أسماك التونة ومنتجاتها بأكثر من مليار جنيه وجمبري بمبلغ 700 مليون جنيه، حتى لو كنا أكثر شعوب الأرض عشقاً للجمبري. وأنا مع ما يطلبه اتحاد المستثمرين ورئيسه محمد فريد خميس من ضرورة حظر استيراد أي سلع لها مثيل من الإنتاج المحلي ـ مع الالتزام بالحد المعقول من المواصفات ـ بل أطالب الحكومة بأن تشترى كل احتياجاتها من الإنتاج المصري فهكذا تفعل الحكومات المحترمة للحد من الواردات» .

مصر بلد بكر
مليء بالفرص الاستثمارية

أما «الأهرام» فإنها في رأيها يوم الأحد أيضا وجهت الاهتمام إلى نقطة ضوء في الاقتصاد بقولها: «المؤتمر الاقتصادي الذي تشهده محافظة مرسى مطروح هذه الأيام جاء في وقته تماما، رغم أن كثيرا من الضوء لم يسلط عليه بسبب ملحمة الانتخابات البرلمانية الدائرة حاليا على قدم وساق. يأتي المؤتمر في وقته للرد على كل المشككين والحاقدين بأن مصر لا تصلح لجذب الاستثمارات، هنا يقول لهم المؤتمر إن هذا الافتراء الذي يتم ترديده هو مجرد كذبة كبيرة، وإن في مصر فرصا بالمليارات، بل بمئات المليارات، وإن ما ينقصنا فقط هو توضيح الرؤية للمستثمرين، سواء في الداخل أو في الخارج.
إن مؤتمر مطروح يحمل أربع رسائل في منتهى الأهمية، أولاها أن مصر لا تزال بلدا بكرا مليئا بالفرص الاستثمارية من كل نوع، وفي كل مجال في الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة والطاقة والموانئ وتحلية المياه وغيرها. والرسالة الثانية هي أن الاستثمارات من الآن فصاعدا لن يتم تركيزها في القاهرة أو المدن الكبرى الشهيرة فقط، بل ستتجه إلى كل محافظة وكل إقليم مهما كان نائبا وبعيدا عن العاصمة».

أغلبنا لا يعرف المرشحين

وأخيرا إلى المعارك والردود التي بدأها الدكتور حسام البدراوي الأستاذ في كلية الطب في جامعة القاهرة والأمين العام المساعد السابق للحزب الوطني، في رسالة أرسلها إلى صلاح دياب صاحب «المصري اليوم» ونشرها في عموده اليومي الذي يكتبه باسم نيوتن وجاء فيها: «يشغل بالي أن برلمان الهند ذات المليار ومئتي مليون نسمة عدد نوابه 543 نائبا، وأن برلمان مصر ذات التسعين مليون نسمة يتعدى الستمئة نائب، ويظهر أمام العدد الكبير من النواب في مصر عدم معرفة أغلبنا من الشعب بالمرشحين وهو السؤال الذي يواجهني به الناس أينما أذهب: ننتخب مين يا دكتور حسام إحنا مش عارفين حد؟! كأن انتخاب عدد أكبر من ممثلي الشعب الذين قد لا يعرف الشعب حتى أسماءهم سيدلل على الديمقراطية مقارنة بانتخاب عدد أقل نعرفهم ونستطيع أن نقارن بينهم ونتابعهم، وفى رأيي المتواضع من خبرتي عبر السنين أن مشكلة مصر لم تكن في سلطات رئيس الجمهورية، ولكن في كيفية محاسبته وعدم تداول السلطة وتوازن هذه السلطة مع السلطتين التشريعية والقضائية. أرجو من الله أن يُخَيِّب البرلمان الجديد توقعاتي ويضيف إلينا ولا يأخذ منا وأرجو من الرئيس أن يرتفع لمستوى توقعاتي ويُشرك المجتمع المدني في الحكم ولا ينفرد بالسلطة تحت أي حجة».
وإلى «أخبار» الأحد ومعركة مختلفة خاضها زميلنا محمد البهنساوي حيث قال متعجبا من عدم حل مشــــاكل صغيــــرة: «الكــل يشعر بصدمة كبيرة وهو يرى تلك السلبيات البسيطة في حلها العظيمة في تأثيرها وإحباطها لازالت موجودة، ولا توجد بارقة أمل لحلها. سيادة الرئيس أين قبضتكم الحديدية في مواجهة طيور الظلام في مصالحنا الحكومية؟ أين المحاسبة لكل وزير غير قادر على إعادة الدفة في وزارته إلى اتجاه الأمل؟ سيادة الرئيس تلك الأمور وإن كان البعض يحاول تصويرها على أنها بسيطة هي لب الأزمة التي كشفتها الانتخابات فهل نبادر بالحل؟!».

مفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟

أما جلال عارف زميلنا وصديقنا ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، فأثار قضية أخرى في عموده اليومي «في الصميم» في العدد نفسه من «الأخبار» عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي: «بعض الوزراء يقولون إن الاتفاق مع الصندوق وصل لنهايته ويصورون الحصول على ثلاثة ملايين دولار بأنه الإنقاذ لوضع اقتصادي نعرف الآن جيدا أنه لم يكن فقط نتيجة ظروف موضوعية، بل نتيجة تآمر شارك فيه من تعودوا على الربح السهل والمال الحرام. ولا أحد يقول لنا: ما هو الثمن؟ ولا ما هي الخطوات التي سنلتزم بها أمام الصندوق؟ ولا ما هو تأثيرها على الطبقات الفقيرة والمعدمة والمتوسطة؟ ولا ما هي علاقتها بما حدث للجنيه المصري في الفترة الأخيرة؟ ولا ما هي صلته بقوانين تدليع الأثرياء بخفض الضرائب والتصالح فيما ارتكبوه من جرائم، أو بقوانين معدة لزيادة الأعباء على الفقراء وبزيادة مطردة في أسعار السلع الضرورية؟ سمعت شخصيا ولعدة مرات من الرئيس السيسي ما يؤكد انحيازه للفقراء ولكن الحقيقة أن هناك من يفرض واقعا سياسيا واقتصاديا يحاول به البعض الضغط ضد هذا الاتجاه! وهؤلاء لا يملكون المال فقط بل يملكون الآن إمبراطوريات إعلامية رهن الإشارة وتحت الطلب! وسيكونون غدا أصحاب الكلمة المسموعة في مجلس نواب جاء معظم نوابه بأموالهم ليبصموا على كل ما يحقق مصالحهم. أما مصالح الدولة وشعب لن يتحمل أكثر مما تحمل ورئيس يعرف أن مكانه في جانب الشعب الذي مازال يمنحه الثقة وينتظر منه أن يعلن انحيازه الكامل له حتى لو كان الثمن صداما مع فساد مالي وسياسي يتوهم أنه قادر على العودة، بل وعلى التحكم في مصير الوطن!».