توفيق السيف

رغم الإشارات المبشرة، فإن الطريق طويل قبل الاتفاق على حل سياسي ينهي الحرب الأهلية في سوريا. أبرز البشائر جاءت من اجتماع فيينا الأسبوع الماضي، وكانت مفاجئة للمتشائمين والمتفائلين على السواء. لم يتوقع كثير من المراقبين أن ينتهي ذلك الاجتماع - القصير نسبيًا - إلى التوافق على معظم البنود المطروحة. كان بيان الأمم المتحدة التي رعت اجتماع فيينا، صريحًا في الإشارة إلى وجود خلافات، لكن عدد البنود التي توافق عليها المجتمعون، يمثل بداية قوية جدًا لنقاشات جدية وتفصيلية خلال الأسابيع القادمة. يرجع الفضل في هذا التطور إلى الدول المشاركة في الاجتماع، التي قبلت بتأجيل خلافاتها التقليدية، للتركيز على إنهاء الأزمة.


نص البيان الختامي على أن حل الأزمة سيكون بأيدي السوريين. واحتمل أن هذه الإشارة تستهدف فقط تبرير عدم مشاركة الأطراف السورية في الاجتماع. لكنها لا تخفي حقيقة أن المشكلة باتت دولية، من حيث الواقع الميداني، ومن حيث الآثار والانعكاسات، وهو أمر سيجعل الشركاء الدوليين جزءًا أساسيًا في أي اتفاق قادم. ربما لا يريد أحد الإقرار بأن السوريين لم يستطيعوا حتى الآن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الحل. لم ينجح أي طرف في حسم المعركة على الأرض، ولم ينجح في إطلاق مبادرة سياسية مقنعة لبقية الأطراف. كما أن الطرفين الرئيسيين في النزاع، أي النظام والمعارضة، أخفقا تمامًا في تشكيل جبهة داخلية عريضة، قادرة على التفاوض وتقديم التزامات سياسية، على نحو يستقطب ثقة العالم ودعمه.


هذا يكشف عن سمة من سمات الحروب الأهلية، تتلخص في صعوبة الاتكال على الأطراف المحلية في التوصل إلى حل نهائي. صحيح أن بعض النماذج تؤكد هذه الإمكانية. ونذكر هنا مثال آيرلندا الشمالية التي انتهت الحرب فيها من خلال الحوار بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الآيرلندي، ومثال سيريلانكا التي توصلت حكومتها إلى اتفاق مرحلي مع نمور التاميل. إلا أن معظم النزاعات المماثلة تشهد على محورية الدور الخارجي. ثمة أمثلة كثيرة على هذا المنحى، من الحرب الأهلية في لبنان، إلى نظيرتها في أفغانستان والصومال، ثم في يوغوسلافيا السابقة والسودان وتيمور الشرقية وليبيريا وبوروندي.. إلخ.


هذه الأمثلة تؤكد الأهمية القصوى لمعالجة متوازية لعنصرين مؤثرين في الظرف السوري القائم. العنصر الأول هو حاجة السوريين للشعور بأنهم شركاء في صناعة مستقبلهم، وتقرير الكيفية التي ستدار بها أمورهم، وأنهم ليسوا مجرد أدوات. أما العنصر الثاني، فهو عجز جميع الأطراف المحلية عن صناعة إجماع وطني، يؤسس لحل سياسي مستقر. فهي عاجزة عن التوافق، كما أنها تفتقر إلى قوة تكفي لفرض أي حل سياسي، سواء كان توافقيًا أو أحاديًا، على نحو يعيد النظام العام إلى البلد ككل.


من هنا، فإنه يتوجب على الشركاء الدوليين الاهتمام بربط العنصرين؛ أي ضمان المشاركة الفاعلة للأطراف المحلية في وضع خريطة طريق، توضح كيفية الخروج من ظرف الحرب، والانتقال إلى الصراع السلمي بما فيه قواعد الاشتباك وطريقة حل الخلافات سلميًا. هذا سيكون خطوة أول مهمة لإعادة بناء الإجماع الوطني. ثم العمل على حشد دعم دولي مناسب وراء هذا الإجماع، كي يصبح ممكنًا استبعاد الأطراف التي تميل إلى عرقلة الحل.


شعور السوريين بأنهم شركاء أساسيون في الحل سيجعلهم أكثر إيمانًا بمسؤوليتهم عن صون هذا الحل، كما أن الدعم الدولي الواسع له سيحصر الشرعية في خيار الحل، ويقصي الخيارات الفوضوية أو المغامرة.
&