بيروت - الرأي: انكشف صباح برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت امس على مظاهر «وليمة الموت الجماعي» في المجزرة المروّعة التي حصدت نحو 300 مدني بين قتيل وجريح، عندما اندسّ العقل الجهنّمي، مع هبوط ظلام اول من امس، في سوق شعبية وانفجر على دفعتين وسط المارة، من أطفال وشبان وعجائز كانوا في طريقهم الى ليلٍ لم يكتمل.

نهار امس كان حيّ عين السكة في برج البراجنة أشبه بمنطقة منكوبة لم تستفق من زلزال افترسها للتوّ... دم مسفوك وأشلاء أجساد وأحلام، رؤوس متطايرة وسلامٌ كالسراب، طوقٌ أمني وعيّنات لفحص «D.N.A»، محققون يأتون وكاميرات تحشر أنفها في كل مكان، عائلات مفجوعة لم يداوها الانتظار الثقيل.

ماذا حدث؟ كيف؟ وما سرّ هذه الحصيلة المرعبة؟ كم انتحاري؟ من أين اتوا وكيف اندسّوا؟ ماذا عن عدّاد القتلى؟ ما حال الجرحى وحالاتهم الحرجة؟ و... هل سيضرب «الكابوس» من جديد؟ اين وكيف و... متى؟

انها الاسئلة المُرّة التي كانت تحوم فوق مسرح الجريمة، وفي كواليسه وكوابيسه، وسط روايات لم تكتمل ومعلومات غير محسومة وتقديرات أشبه بخلاصات لـ «رسم تشبيهي» لم يرقَ بعد الى معطيات اكيدة.

الأكيد ان «داعش» اعلن مسؤوليته عن هذا التفجير الانتحاري في بيان بثه على «تويتر» قال فيه: «في عملية امنية نوعية يسّرها الله تعالى، تمكن جنود الخلافة من ركن دراجة مفخخة وتفجيرها على تجمع للرافضة المشركين فيما يعرف بشارع الحسينية في منطقة برج البراجنة الواقعة في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب اللات الرافضي، وبعد تجمع المرتدين في مكان التفجير، فجر احد فرسان الشهادة - تقبله الله - حزامه الناسف في وسطهم، ليوقع فيهم ما يزيد على اربعين قتيلاً ومائتي جريح، ولله الحمد، وليعلم الرافضة المرتدون انا لن يهدأ لنا بال حتى نثأر لعرض النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، والحمد لله رب العالمين».

ورغم الروايات التي تحدّثت عن انتحارييْن وثالث ورابع، فان مصادر أمنية معنيّة بدت عبر «الراي» أكثر ميْلاً للأخذ بـ «المعطيات» التي كشف عنها تنظيم «الدولة الاسلامية» في بيان عن ان التفجير حصل بواسطة دراجة وانتحاري «فما من سبب يجعل داعش يتحدّث عن انتحاري واحد لو كانت الجريمة نُفذت بانتحارييْن اثنيْن او أكثر».

واذ بدت هذه المصادر حاسمة في نفيها الرواية التي تحدثت عن ثلاثة انتحاريين، قالت لـ «الراي» ان الكلام عن وجود انتحاري ثانٍ غير اكيدة، كاشفة عن ان»عمليات فحص للحمض النووي تجري على نحو كثيف لمعرفة عدد الجثث المجهولة والتأكد تالياً من عدد الانتحاريين وما اذا كان واحد او اثنين«.

وفي ما يشبه الميل الى»تصديق»رواية»داعش»، أشارت المصادر الأمنية المعنية الى»وجود نحو 13 جثة مقطوعة الرأس، وهو ما نجم على الأرجح من عصْف انفجار الدراجة النارية على مستوى الرؤوس، قبل ان يقوم الانتحاري بتفجير نفسه بالجموع (يمكن ان يكون احتمى بأحد الزواريب الضيّقة) بعد دقائق من تفجير الدراجة«.

وبدت المصادر عينها حذرة في رسم رواية تفصيلية لما جرى في برج البراجنة ليل الخمس - الجمعة، لكنها قالت لـ»الراي»ان العدد الكبير من القتلى سببه حشو المتفجرات (الدراجة والحزام الناسف) بآلاف الكرات الحديد الصغيرة التي تنطلق بقوة 8500 متر في الثانية الواحدة بدفع من الانفجار وتكون قادرة على القتل والايذاء بدرجة عالية، وهو ما دلّت عليه عمليات انتحارية مماثلة نفذها»داعش»في غير مكان.

ولفتت تلك المصادر الى ان»مَن نفذ جريمة برج البراجنة هو على درجة عالية من التدريب، عقائدي ولديه خبرات، وهي الامور التي تُستدلّ من طريقة ركن الدراجة المفخّخة ومن ثم تفجيرها، ومن تحييد الانتحاري نفسه عن انفجارها ومن ثم القيام بتفجير نفسه بعد دقائق».

وفي حين نُقل عن مصادر أمنية أخرى ان لا صحة للأسماء التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي عن منفذي التفجير ولا للصور التي تم تَناقُلها على انها تعود لهم، تتركّز التحقيقات على خيْط يمكن ان يفضي الى كشْف ملابسات العملية ويتمثّل في اللبناني ابراهيم.ج الذي أوقفته شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي ليل الاربعاء في محلة القبة (طرابلس) وكان يحمل حزاماً ناسفاً معداً للتفجير.

وفيما أشارت تقارير الى احتمال وجود رابط بين ابراهيم.ج وبين المسؤولين عن تفجير الضاحية، اعلن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر خلال تفقُّده موقع الجريمة»وجود احتمال كبير ان يكون الموقوف في طرابلس الذي القى فرع المعلومات القبض عليه على علاقة بإنتحاريي برج البراجنة، ويتم درس الموضوع الآن«، مشيراً الى»اننا نتابع تحقيقاتنا لمعرفة اذا كان هناك انتحاري ثالث، وبعد بضع ساعات تنتهي الاجهزة الامنية من الكشف على مكان التفجير، ونحن نركز على كل المعطيات لمعرفة من اين اتى الانتحاريين ومن الجهة التي تغطيهما«.

كما لفت مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود من موقع التفجير الى ان ما حصل كان»عملية مزدوجة وتبين ان هناك تفجيرين والتحقيقات يتم متابعتها، والمتفجرة التي كانت على الدراجة تقدر بـ7 كيلو والثانية بـ2 كيلو وخلال ساعات ستأتي اللجنة العليا للاغاثة لتكشف على الموقع ويكون بذلك قد انتهى التحقيق الميداني».