حمد بن عبد الله اللحيدان

مما لا شك فيه أن هناك قوى وأطرافاً فاعلة تدفع بالمنطقة الى مزيد من التوتر والاستقطاب وصولا الى المواجهة فهي تعلن شيئا وتمارس شيئا آخر؛ ذلك انهم في الظاهر مع، وفي الباطن ضد.

ومثل تلك الممارسات السياسية والعسكرية المميعة والمبهمة يجب أن تقابل بأسلوب مماثل من قبل المستهدفين حيث يمكن ان تتم الاستجابة الظاهرية لما تفرضه تلك الاساليب المميعة والمبهمة والممارسة الباطنة لما تفرضه المصلحة الوطنية وبما ان كل او بعض تلك الاطراف قوى كبرى او ذات قدرة على التأثير فإن المرونة في التعامل معها مطلب، والانحناء امام العاصفة افضل من المواجهة في كثير من الاحيان فتطبيق شعرة معاوية تعني المراوحة بين الشد والارخاء.

ذلك ان التشدد من جانب طرف يؤدي الى تشدد معاكس من قبل الاطراف الاخرى بل ان ذلك يبرر ويعجل بما يريدونه حيث ان هذا يولد التحدي وهذا بغية المتآمرين لان ذلك يوصل اطراف المشكلة الى نفق مسدود تكون نهايته المواجهة وهذا ما لا يريده العقلاء.

والحمد لله ان حكومتنا الرشيدة ذات نهج متوازن في كل الامور ولذلك فهي تبقي كل الابواب مفتوحة وخطوط التواصل مشرعة وتدفع باتجاه الصالح العام فلا ضرر ولا ضرار على قاعدة "ادفع بالتي هي احسن" ما امكنها الى ذلك سبيلا.

نعم ان جميع مؤشرات الاستهداف تنبئ عنها النتائج والوقائع على الارض فهناك تمييع لجميع القضايا العالقة، وتوسع في الاستهداف وعمل دائب على زيادة عدد الاطراف المتورطة سواء من حيث عدد الدول والشعوب المستهدفة او من حيث عدد الدول المتدخلة في النزاع.

والغريب هو غض طرف الغرب عن التدخل الروسي في سورية ليس هذا وحسب بل ان الامر وصل الى حد التحالف بين الطرفين من اجل تدمير المنطقة العربية بدءا بسوري كدولة وكشعب تمهيدا لاستهداف الاخرين بحجة محاربة داعش فأميركا تقاعست عن دعم الجيش الحر والمقاومة الوطنية، وتنصلت من التزاماتها بالتسليح والتدريب. وروسيا نزلت بكل ثقلها العسكري واستهدفت المقاومة المعتدلة قبل داعش.

واصبح تنظيم داعش الارهابي وسيلة وحجة للقضاء على المكون السني في العراق وسورية بواسطة اطراف عديدة يأتي في مقدمتها داعش نفسها التي تعتبر المجرم الاول الذي يقتل ويسحل ويحرق المئات بل الالاف من ابناء العشائر والقبائل هناك ناهيك عن احتلال المدن والمناطق من اجل ان تصبح هدفا مشروعا للجميع. وذلك كله تمهيدا لتوسيع دائرة الاستهداف.

ولا شك ان ايران طرف فاعل فهي رأس الحية فيما يجري في المنطقة كلها فعلى ذمة تويتر: كشفت الاستخبارات الفرنسية عن وجود (5500) حساب لتنظيم داعش على تويتر تبث من داخل ايران فلماذا لا يتم استهداف ايران؟

نعم الجميع ينفخ بصورة تنظيم داعش الارهابي من حيث قوته وملاءته المالية وتصديره للنفط وكأنهم لا يعرفون من هو الذي يشتري البترول من داعش مع انهم في الحقيقة يعرفونه تمام المعرفة.

وهذا يثير سؤالا اخر لماذا لا يعاقبونه جنبا الى جنب مع محاربة داعش نفسها وبالتالي يبقى البترول تحت الارض لعدم وجود من يشتريه.؟

الا ان الاستهداف بدلا من ذلك ينحو منحنى اخر وهو تدمير حقول انتاج البترول والبنية التحتية للمناطق التي تركوا عصابة داعش تعبث وتسيطر عليها من اجل استهدافها وبالتالي تصبح مناطق غير ملائمة للسكن ما يدفع من سلم من القتل على الهجرة.

إن الحرب على داعش وجدت لتستمر وهي تكبر وتتضخم مع بزوغ فجر كل يوم جديد حتى تشعل المنطقة بأكملها.

ان الحرب على داعش سوف تستمر حتى يتم تقسيم المنطقة ولهذا فإن المواجهة في سورية تشير الى ان التحالف الغربي الروسي الايراني الاسرائيلي اصبح اوضح من الشمس في رابعة النهار، وبالطبع هذا لم يأت صدفة بل هو نتيجة دراسات وخطط تم اعدادها منذ وقت مبكر وتنفذ على مراحل لكل مرحلة مبرراتها.

وهذا ما اشارت اليه هيلين توماس عميدة مراسلي البيت الابيض واول امرأة تتولى منصب رئيس نادي الصحافة الاميركية قبل وفاتها قبل عامين حيث قالت ان الربيع العربي وما تلاه في المنطقة العربية من حروب يمهد لحرب عالمية ثالثة طبخت في مطبخ المخابرات الاسرائيلية والاميركية واستحضرت بريطانيا فيها روح البريطاني سايكس، واستحضرت فرنسا فيها روح الفرنسي جورج بيكو وهما ممثلا كل من بريطانيا وفرنسا اللذان وضعا اتفاقية (سايكس – بيكو) الاستعمارية الشهيرة والتي بموجبها تم تقسيم العالم العربي بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى كما اشارت الى ان مشاركة روسيا في تلك الطبخة لم تهمل بل تم اخذها بعين الاعتبار.

ألم تتم اتفاقية سايكس – بيكو بمصادقة من الامبراطورية الروسية؟

فهل التاريخ يعيد نفسه؟ ولذلك يمكن ان نقول لو كان التدخل الروسي بدون رضا الغرب وموافقته لواجه الغرب روسيا كما واجهوها من قبل في اوكرانيا وكما واجهوا الاتحاد السوفياتي من قبل في افغانستان وكما واجهوه في كوبا وكما واجهوه في كل مكان حدث فيه نزاع.

الغرب اليوم يتفرج على التدخل الروسي في سورية وربما يدعمه فالتحالف الروسي - الفرنسي توثق بعد احداث باريس واحتلال العراق وافغانستان جاء بعد احداث 11 سبتمبر. والغريب ان التحالفات الجديدة تأخذ زمام المبادرة دون تفويض من الامم المتحدة او مجلس الامن كما جرت العادة.

نعم لم تكتف هيلين توماس بذلك بل انها حذرت العرب من تصديقهم ووصفت تلك الحرب بحرب الشيطان.

نعم هناك في بلاد الغرب من يعرف الحق وينطق به ويدافع عنه لكنهم مغلوبون على امرهم وفي نفس الوقت لا يلقون دعما من العرب وهذه من إخفاقات العرب المزمنة.

الم يبين التاريخ ان المبررات اذا لم توجد فإنها تخلق.

ان الامر لم يعد استهداف سورية والعراق وتدميرهما وزرع الطائفية فيهما والقضاء على الدولة هناك فقط بل ان مؤشرات استهداف المملكة ودول الخليج اخذت تزداد وتيرتها فعلى الرغم من ان داعش اكبر عدو واكبر مستهدف للمملكة ودول الخليج واغلب حراكها وممارساتها استهدفت تلك الدول قبل اي طرف اخر من خلال تفجير المساجد والحسينيات واستهداف رجال الامن والتخطيط لاستهداف المنشآت والمسؤولين الا ان عجلة الدعاية الغربية تغض الطرف عن هذا كله وتدعي ان المملكة من اسباب ظهور داعش ومصدر الداعشيين على الرغم من محدودية عدد السعوديين الملتحقين بذلك التنظيم المشبوه مقارنة بالاعداد الملتحقة به من الجنسيات الاخرى.

انهم يتحدثون اليوم في برلماناتهم واعلامهم عن ان المشكلة ليست داعش بل الايدلوجية الاسلامية والجهادية السلفية والوهابية ثم ينسبون ذلك الى المملكة وهم بالطبع يعرفون ان ذلك كذب وتجنّ؛ لان المملكة تعتنق وتطبق الوسطية الاسلامية طبقا لقوله تعالى "وجعلناكم امة وسطا.." الاية.

وهذا كله بدون شك اتى نتيجة جهود من يعمل ضد المملكة ودول الخليج وفي مقدمتهم ايران واسرائيل ومن يسترزق من ورائهما ومن يتبنى ويدعم توجهاتهما حيث ان ايران تقدم نفسها لهم كبديلة للمملكة في قيادة العالم الاسلامي من جهة في مقابل تحالفها مع اسرائيل من جهة اخرى املا في اعادة مجد الامبراطورية الفارسية على حساب العرب اما اسرائيل فهي تعمل على إنشاء اسرائيل الكبرى التي تكبر وتستقوي بمقدار ضعف العرب وتخلفهم وتفككهم.

نعم كان بوتين صريحا حين عبر عما يشعر به وما يشعر به الغرب معه حيث قال ان المشكلة مع تركيا ليست فقط اسقاط تركيا للطائرة الروسية بل إنها اعمق وابعد من ذلك فهي تتمثل في ان اردوغان يعمل على اسلمة الشعب التركي وكأن الشعب التركي يدين بدين آخر وكأن اسلمة الشعب التركي جريمة.

اذاً الاسلام والاسلمة هما المشكلة عندهم وهذا يفكك طلاسم الاستهداف فالمستهدف هو الاسلام ومنابعه حتى وان قالوا غير ذلك.

وهنا لا بد من الاشارة الى ان هناك قوى دخيلة تدعم هذا التوجه فالبعض منهم يفعل ذلك اما لقلة فهم وقلة وعي وجهل بحجم الاستهداف وحجم الكارثة بينما البعض الاخر يتعمد ما يقول وما يفعل وذلك من خلال البحث عن الثغرات والسلبيات مهما صغرت والتطوع بتضخيمها على هواه ونشرها وهم يتلقفونها ويشيدون بمن فعلها وهو بالطبع ينتشي بذلك بسبب عقدة الخواجة لديه فهو يشعر بالنقص امامهم.

نعم لكل مقام مقال في كل زمان ومكان لكنه في هذا الوقت العصيب اوثق فعند الشدائد يصبح التكاتف بين جميع القوى والاطراف في القول والعمل واجب مهما اختلفت وجهات النظر والتوجهات والاجتهادات، ولنا في بلاد الغرب في هذا اسوة حسنة فهم يمارسون حرية التعبير ما دامت الامور لم تصل الى الخطوط الحمراء وعند الازمات تخط خطوط حمراء تتناسب مع الازمة وخير مثال على ذلك ما حدث بعد احداث 11 سبتمبر، وما حدث بعد احداث باريس الاخيرة حيث اعلنت حالة الطوارئ وحالة الحرب وهذه الخطوط الحمراء تسنها الدولة من ناحية ويتقيد بها الجميع من ناحية اخرى حتى قبل ان يطلب منهم وذلك لانهم يدركون اهمية ومعنى الامن القومي ومتطلبات الحفاظ عليه. انه الولاء والانتماء الوطني.

وهنا لا بد من الاشارة الى الحكمة التي تقول (لكل مقام مقال).

وحكمة (ما كل ما يعرف يقال) تطال كل ما يكتبه او يقوله اي كاتب او اي داعية او اي مجتهد او اي صحفي او اي مسؤول وغيرهم في كل زمان ومكان.

وفي وقتنا الحالي على وجه الخصوص فالوحدة الوطنية ووحدة الكلمة تأتيان اولا ولذلك فإن التفريق بين ما يقال في اوقات الرخاء، وما يقال وقت الشدائد مهم جدا فما يخاطب به الجنود على جبهات القتال يتسم باساليب التعبئة والتحميس والحث على الجهاد والشهادة وغيرها وما يخاطب به عامة الناس يجب ان يتسم بالحض على التعاون والانتاج والعمل والالتزام بالنظام ووحدة الكلمة ووحدة الصف. فالامور التعبوية تختلف عن الامور التوجيهية حتى عند الاستشهاد بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة خصوصا في ظل وجود من يدعم الارهاب بالفتاوى المفخخة ويطلق لسانه من غير علم راسخ او وعي شامل لتبعات ما يقول او هو متعمد لشيء في نفس يعقوب، وفي ظل وجود من يتلقى تلك الفتاوى دون وعي او ادراك او فهم او تمعن او تمحيص او سبر لمصادرها ومقاصدها وتبعاتها تصبح تلك الممارسات كارثية.

ان الفتوى المفخخة هي ما يفعله مفتو داعش واخواتها من المنظمات الارهابية واجناسهم من المحرضين؟ اليس هذا احد اساليب ما يتم به خداع بعض الشباب واستقطابهم تحت طائلة تلك الفتاوى المضللة ولذلك لا بد من فضح هذه الاساليب والوقوف امامها بحزم وتحييد من يدلي بها ومن يتبناها.

نعم ليس كل ما يعلم يقال وهذه المقولة تنطبق على جميع الامور الدينية والدنيوية خصوصا في هذا الزمان الذي نحتاج فيه الى ترشيد الخطاب الدعوي والاعلامي وجعله يركز على ما يساعد على وحدة الكلمة ووحدة الصف ووحدة الوطن امام هذا الاستهداف المفضوح. ناهيك عن نزع فتيل الاختلاف اما الاستهداف الاعلامي الداعشي والايراني والغربي فيجب ان يتم التصدي له من خلال تبني اعلام ناجح وقادر وواصل ومقنع وشفاف لايخاطب الداخل فقط بل تمتد صولته لمخاطبة الرأي العام في كل من ايران ودول الغرب وذلك باستخدام مخرجات التقنية الحديثة وبالاسلوب الذي يقرب ولا يبعد، ويفند الاكاذيب ويعمم الحقائق ويستعمل الاساليب المحببة لدى تلك الشعوب ومخاطبتها بالاسلوب الذي يقنعها بقضايانا خصوصا ما يتعلق بفضح مؤامرة شيطنة العرب والمسلمين من اجل اعداد الرأي العام هناك لقبول استهداف العرب تحت طائلة محاربة الارهاب.

نعم ان الاعلام العربي يخاطب نفسه فهو لا زال يمارس مهمته داخل نطاق المحلية الضيقة وهو شبه مغيب عن الساحة العالمية التي تفردت بها كل من ايران واسرائيل وبدعم من اللوبيات التي تمتلك المال والاعلام والمسيطرة على مراكز اتخاذ القرار في دول الغرب.

ان كافة شعوب الغرب وكذلك الشعب الايراني مثلها مثل بقية شعوب العالم محبة للسلام والاستقرار والعدل والامن والامان لكنها تقاد بغير ارادتها وتتم التعمية عليها من خلال عجلة الاعلام الغاشمة التي لا تبقي ولا تذر. والله المستعان.
&