& محمد عبدالله العوين


انتهى مؤتمر المعارضة السورية في الرياض إلى نتائج ممتازة بعد أن تداول أبرز رموز المعارضة السياسية التي مثلها مائة مشارك وأبرز الفصائل المقاتلة التي مثلها خمسة عشر فصيلاً، وغاب أو اعتذر عدد ممن دعوا؛ لأسباب شتى، ولكن ذلك لم يغير من إيقاع هذا اللقاء الممتاز الذي لم يحدث أن تفوق الحوار فيه إلى هذه الدرجة من الاتفاق على الخطوط الرئيسة التي يطالب بها أغلب المعارضين؛ ولكنهم يختلفون في الكيفية التي يمكن بها تحقيق هذه المطالب.

لم يُدع بطبيعة الحال من تلوث بالفكر الإرهابي ومارسه على الأرض وراح ضحية ضلالاته آلاف الأبرياء من السوريين وغيرهم؛ كتنظيم داعش الذي لم تعد ولاءاته الاستخباراتية خافية على المتابع الفطن، وكجبهة النصرة التي تعد امتدادًا لفكر القاعدة وأطروحاتها وممارساتها الإرهابية على مستويات عربية ودولية.

ويجدر بنا أن ندون عددًا من النقاط المهمة بعد إعلان وثيقة الرياض؛ باعتبار أنها ستكون الآن المرجعية الرئيسة التي ستنطلق منها الخطوات السياسية القادمة بدءًا من مؤتمر نيويورك الذي سيعقد في الثامن عشر من ديسمبر، ومؤتمر فيينا الذي سيعقبه بعد فترة لن تطول.

1 - اتفق المؤتمرون في بيانهم على أنه لا مكان لبشار الأسد في المرحلة القادمة، وعلى تنسيق الجهود وتوحيدها في المرحلتين الانتقالية والسياسية، ويعنى بالأولى تشكيل حكومة مؤقتة تدير الأمور قبل تخلي بشار عن السلطة بصورة نهائية، وتعني الثانية إجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد للبلاد.

2 - تم الاتفاق أيضًا على تشكيل وفد يمثل أطياف المعارضة للتباحث مع نظام بشار في مقررات مؤتمر الرياض.

3 - الدعوة إلى إخراج المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والأحزاب العراقية الطائفية المتطرفة المدعومة من إيران والمرتزقة الذين تستجلبهم طهران من أفغانستان وغيرها.

4 - وقف القصف الروسي على المدن والقرى والجماعات الثورية السورية التي تناضل من أجل إسقاط نظام بشار وإعادة بناء سوريا الحديثة، حيث ثبت أن القصف الروسي لا يستهدف داعش قدر استهدافه كل الجماعات والتكتلات القتالية الثائرة ضد النظام.

ربما كانت تلك أهم ما دارت حوله جلسات المؤتمر وتمت الإشارة إليها في مجمل فقرات الوثيقة المهمة التي خرج بها البيان.

لكنني سأسبق الأحداث والتطورات المنتظرة التي ستواجه تطبيق مقررات الوثيقة، وأطرح تساؤلات عدة لا أشك أبدًا أن كل قارئ قد وقف حائرًا قلقًا مندهشًا من بعض التطلعات المثالية التي تضمنتها المطالب السياسية والقتالية.

في البدء ربما كانت رؤية المقاتلين في الميدان أقرب إلى الواقع من آراء السياسيين المعارضين المنظرين خلف طاولات الحوار؛ فالمقاتل يحسب الانتصارات والهزائم وقوة وضعف الخصم بمقدار ما يحققه أو يخسره على الأرض، والسياسي يحسب نجاحاته وإخفاقاته بما يتفق أو يختلف مع آرائه على طاولات المفاوضات.

في كثير من الأحيان يحقق القتال أكثر مما يحققه الحوار، أو لنقل أن النجاح العسكري يفرض التنازلات السياسية، ولذلك فإن أية مطالبات سياسية مثالية دون تحقيق ضغوط عسكرية جلية على أرض الميدان لن تقود الخصم إلى الإذعان، وستظل المطالب حبرًا على ورق وكلمات مجلجلة على منابر الخطابة أو شاشات الفضائيات.

إنني ما زلت مندهشًا من مثالية أن يذهب وفد مفاوض إلى بشار ليطلب منه التنازل عن السلطة والخروج من سوريا بعد المرحلة الانتقالية أو قبلها! وكأن المنتظر أن يستقبل بشار أو من ينيبه وفد المعارضة بالورود والزغاريد!

وإن العجب ليبلغ مبلغه من نفس أي متابع أو قارئ صياغة الوثيقة وكأنها لا ترى الحضور العسكري المهول لروسيا؛ بل كأن روسيا قد قدمت إلى سوريا بقضها وقضيضها لتقضي نزهة أو رحلة سياحية ماتعة ثم تعود أدراجها إلى موسكو!

إن الحل الوحيد لإخراج بشار من سوريا وإعادة بنائها من جديد ليس في الحوار مع بشار؛ بل في الحوار مع «بوتين».

يجب أن نعترف بأن بوتين يدير المعركة الآن ويحكم سوريا وبإشارة سريعة منه يستطيع أن يقول لبشار: ارحل!

لولا القيصر لسقط بشار.