سمير عطا الله

كانت «شينران» صاحبة برنامج إذاعي تصغي فيه إلى حكايات نساء الصين. وقد جمعت بعض هذه القصص في كتاب ممتع عنوانه ببساطة «نساء من الصين» (دار الساقي)، لم أقرأ في السنوات الأخيرة عن الصين بمثل هذا الذهول إلا كتاب «بجعات بريّة» الذي صدر عن «دار الساقي» أيضًا منذ أكثر من عقد. مثل مؤلفة «بجعات بريّة» لم تضع «شينران» كتابها إلا بعد مغادرة بكين للعيش في لندن منذ عام 1997.


يصوّر «نساء من الصين» الحياة هناك ما بين انتقال البلد من المرحلة الشيوعية الصارمة إلى مرحلة الانفتاح. في الأولى، كان المجد لأبناء الفلاحين والعمال و«البراعم الحمراء». وكانت الكتب ظاهرة بورجوازية لعينة يجب استنكارها. كما كانت الطالبة التي ترخي ضفيرة على كتفها «عميلة من عملاء الإمبريالية». وروت إحدى النساء أنها أصيبت بالمرض، فطلبت مساعدة طبيب الحي، لكنه اعتذر عن معالجتها لأن الحزب يمنع العلاج عن الذين كان جدودهم، مثل جدها، عملاء للإنجليز في الماضي. الفتاة نفسها كانت تعاني من قصر في النظر، ولذلك طلبت من معلمتها أن تجلس في الصف الأمامي، غير أن المعلمة أبلغتها بكل هدوء أن مكان أحفاد العملاء هو فقط في الصفوف الخلفية.


وتروي طالبة أخرى أنها تفيق وتنام على أوامر اثنين من الحرس الأحمر اللذين كانا يصرخان مصدرين الأوامر طوال الوقت، وهي التالية: «اخرجن من السرير، اذهبن إلى الصف، اذهبن إلى قاعة الطعام، احفظن أقوال الرئيس ماو، اذهبن إلى النوم».


رغم منع الكتب فقد عثرت الطالبة على مكتبة مخبّأة خلف المدرسة يملكها أستاذ طيّب. وعندما طلبت منه استعارة بعض الكتب، قال لها: «مهما كان الناس ثوريين فإنهم لا يستطيعون العيش من دون كتب. فمن دون الكتب لن نتمكن من فهم العالم، ومن دونها لا يمكننا أن نتطور. ومن دون الكتب لا يمكن للطبيعة أن تخدم الإنسانية». غير أنها ما إن تتسلل عائدة من المكتبة السرية، حتى تسمع الحارس الأحمر يردد في صوت عالٍ: «أنتم جراء الكلاب الإمبرياليين».


تلك النعوت لم يكن يرددها الحراس الحمر وحدهم، بل أيضًا الطلاب الآخرون. غير أنها لم تُعدم وجود بعض الأصدقاء. وتروي أنه في وقت الاستراحة كان أحدهما يأخذها إلى التل وراء المدرسة لمشاهدة الأشجار والنباتات المزهرة ويقول لها: «هناك الكثير من الأشجار المتشابهة في العالم، ومع ذلك ليست هناك ورقتان متشابهتان تمامًا».


في رواية لامرأة أخرى، تتعرض الطالبة للاغتصاب من الحرس الأحمر. وعندما تكتشف أمها أنها حامل، تحاول إجهاضها، لكنها لا تنجح. فما هو البديل؟ البديل هو أن تُقر الابنة بالحمل غير الشرعي فتُجبر آنذاك على السير في الشوارع في موكب استعراضي ليهزأ الناس منها ويشتموها وهم يرددون: «يا لكِ من رأسمالية وحذاء مكسور». فتنتحر الأم، ويجن الأب.
&