عبد الوهاب بدرخان
لا، هذه ليست صحوة دولية ولا استفاقة ضمير ولا محاولة تصحيحية لأخطاء وإهمالات مرتبكة على مرّ الأعوام الماضية. إنها بالأحرى إرهاصات تسويات مصالح بين الولايات المتحدة وروسيا في صراعهما المستمر وغير المقبل على نهاية معلنة. الدول الأخرى تمارس أدواراً تُرسم لها، أو تسعى لانتزاع مصالح من ثغرات توافقات ناقصة بين الدولتين الكبريين، أو تحاول الحدّ من الخسائر والتهميش.
ثلاثة تطوّرات في أسبوع واحد تمس اليمن وليبيا وسوريا، وكلّها بدفعٍ بل بضغوط دولية. إذ بدأت مفاوضات في سويسرا بين وفدي الحكومة اليمنية الشرعية وانقلابيي الحوثي -صالح. الحكومة تسعى إلى تطبيق قرار دولي رقمه 2216، وهو يتسم بالوضوح في رفض الانقلاب وإنهاء التمرد على الشرعية واستعادة الدولة. أما الثنائي «الحوثي -الصالحي» الذي أكّد عدم اعترافه بالدولة، فيريد أن تكرّس المفاوضات استيلاءه على مؤسساتها باعتبارها مكتسبات. وبين الاثنين تبدو الأمم المتحدة ومبعوثها حائرَين، فالشرعية الدولية تساند الشرعية الوطنية حكماً، لكن الرضوخ لقوى الأمر الواقع يراودها خلال تنفيذ قراراتها.
&
ثم جرى توقيع اتفاق بين أطراف ليبية مع إلحاح دولي على تشكيل حكومة وحدة وطنية كإجراء إلزامي عاجل، مع تلويحٍ بنقل الاعتراف الدولي بـ«شرعية» حكومة طبرق وبرلمانها إلى الحكومة الجديدة. ففي لقاء روما بدا واضحاً أن صبر القوى الدولية نفد إزاء تلكؤ البرلمانَين والحكومتَين والجيوش والميليشيات والمنتخَبين و«الثوريين» في رسم خط نهاية للصراع الحالي الذي أقفل البلد على قتال بلا أفق، إلى أن اخترقه الإرهاب «الداعشي» وبات يشكل تهديداً يستوجب التدخل الخارجي للتعامل معه. أي أن ما فرض الاستعجال هنا ليس مصلحة ليبيا وشعبها، ولذا تمّ تجاوز اتفاق ليبي ليبي قيل إن ممثلين عن البرلمانَين، المعترف به دولياً والمنتهية ولايته منذ نحو عامين، أنجزوه في محادثات سرّية في تونس، بل إن وزراء لقاء روما لم يهتمّوا بلقاء رئيسي البرلمانَين في فاليتا (مالطه) وتعاملوا معه كخطوة بعد فوات الأوان.
وأخيراً أمكن مجلس الأمن الدولي إصدار قرار هو الأول بشأن الأزمة السورية، لكنه الثاني كثمرة توافق أميركي روسي بعد القرار 2118 الذي أصدره في سبتمبر 2013 لمعالجة قضية استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية. غير أن القرار الجديد لا يعدو كونه عناوين لخطوات تتطلّب شهوراً طويلة من العمل دون ضمانات صلبة، لا لوقف إطلاق النار ولا لإجراءات «بناء الثقة» (كإطلاق المعتقلين وجلاء مصير المفقودين وإيصال المساعدات الإنسانية..) ولا لإمكان ممارسة «هيئة الحكم الانتقالي» عملها في حال التوافق عليها. فأعضاء «المجموعة الدولية لدعم سوريا» التي تبنّت القرار ليسوا متفقين فيما بينهم على جملة عُقد كتلك التي اصطلح على تسميتها «مستقبل بشار الأسد»، وكذلك فيما يتعلّق بمَن يمثّل المعارضة، وأيضاً في أي تنظيمات يمكن اعتبارها «إرهابية» أو «معارضة معتدلة»، فضلاً عن خلاف أميركي روسي مؤكّد حول استراتيجية «الحرب على داعش» وهي الشق الآخر الشاق من المسألة السورية.
على أي حال، لا يبدو «داعش» القاسم المشترك بين القضايا الثلاث فحسب، بل غدا أيضاً الحافز المباشر لبلورة هذه «الإرادة الدولية» التي تحاول أن تستيقظ من سباتها، بعدما دقّت الهجمات الإرهابية في باريس ناقوس الخطر وجعلت كل دولة تعمل كما لو أنها ليست في منأى عن هذا التهديد. ففي نهاية 2015 أصبح الجميع الآن يطالب بضرب هذا التنظيم حيثما وجد، خصوصاً أنه ماضٍ في التوسع في محيط مدينة سرت الليبية التي استولى عليها ويقترب أكثر فأكثر من مواقع النفط. وبالإضافة إلى الحالة التي استطاع تشكيلها في سوريا والعراق، أصبح مهدِّداً رئيسياً لإنجازات «التحالف العربي» وللحكومة الشرعية في جنوب اليمن.
وفيما تتحفّز الدول الكبرى للمشاركة في محاربة الإرهاب، كثُرت أخيراً الدعوات إلى مساهمة أكبر من الدول العربية في هذا المجال. ومع ذلك، لعل في إنشاء «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» الذي أعلنته الرياض استجابة للتوقعات الدولية. فالخلاص من الإرهاب هو بالتأكيد قضية عربية وإسلامية قبل أن يكون شيئاً آخر.
&
التعليقات