يوسف الديني

في آخر تسجيل للخليفة الداعشي المنهار في هذه الآونة التي يعيش فيها تنظيمه أوقاتًا صعبة، ركز هجومه على السعودية إضافة إلى استخدامه للشعار الأثير لتمرير ذلك الهجوم بإعادة طرح «القضية الفلسطينية» الورقة الرابحة دائمًا لأي ميليشيا أو تنظيم لمحاولة جذب الانتباه واستقطاب المزيد من الكوادر.


التسجيل محاولة فاشلة لتحفيز الروح المعنوية للدواعش حول العالم وتحديدًا تحفيز المقاتلين في مناطق التوتر (العراق وسوريا) بعد أن بدأت ملامح الحرب على الإرهاب تتجه إلى استهداف «داعش» أولاً بسبب الخوف من نقل المعركة من الشام إلى أوروبا وأميركا والعالم، كما أن إجراءات الدول الأوروبية المتأخرة حول التشديد على منافذ الدخول والسفر إلى مناطق الاضطرابات والمجموعات المسلحة المقاتلة ساهمت في تجفيف منابع كوادر التنظيم المؤثرة وغالبها قادم من أوروبا والمغرب العربي حيث تزدهر صورة «داعش» هناك بشكل تصاعدي.


استغلال القضية الفلسطينية باتخاذها هدفًا للتنظيم يدعو لمراجعة كل الخطابات الثورية والميليشيوية من حزب الله إلى أحزاب الإسلام السياسي السني والشيعي التي تحاول مواجهة الانتقادات حول إهمال «فلسطين» بالتركيز عليها في الخطاب الإعلامي وغيابها عن أي استراتيجية على الأرض، قام «داعش» بنشر فيديوهات حديثة باللغة العربية يتوعد فيها إسرائيل بالحصار وتحرير القدس الآن بعد أن ساهم التنظيم في تجريف منطق الدولة في طول العالم العربي وعرضه عبر عملياته الفوضوية التي ساهمت في إضعاف استقرار الدول ورفع مستوى التأهب الأمني وخلق مشاكل داخلية عبر خلايا نائمة واستهداف منشآت ومقدرات البلدان دون أن ينعكس ذلك على أي نتائج حقيقية إزاء الشعارات الطوباوية من الخلافة إلى تحرير القدس إلى إسقاط الأنظمة.


هذا التحرّك من البغدادي محاولة استباقية بائسة لتضخيم قدرة التنظيم على الرد والتهديد وأيضًا رسالة إلى الأتباع والكوادر المؤمنة بآيديولوجية «داعش» العنفية للتحرّك ولو بشكل منفرد والقيام بعمليات إرهابية غير منسقة سواء في الولايات المتحدة أو في الخليج في محاولة للتحرّك بعد أن حصدت السعودية قصب السبق بقيادة تحالف إسلامي دولي من شأنه أن يتم تبنيه من الدول العظمى والمؤسسات الدولية الكبرى ضد «داعش» والفكر الإرهابي دون تقييد، وهناك مؤشر في خطاب أوباما الأخير الذي أكد فيه أن مجزرة سان برناردينو كانت في الواقع عملاً إرهابيًا مرتبطًا بـ«داعش»، وأن الرئيس لم يشر في خطابه إلى أي استراتيجية عسكرية جديدة لمقارعة الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة العالم والولايات المتحدة، وأقصى الإجراءات التي وعد بها هو منع الإرهابيين المشتبه بهم الواردين على قائمة حظر السفر الخاص «إدارة الطيران الفيدرالية» من شراء الأسلحة مع التأكيد على عدم استعداد الولايات المتحدة نشر قوات على الأرض أو الدخول في أي مستنقع أجنبي.


خليفة «داعش» خصص هجومه على السعودية والتحالف الذي تقوده مع الدول الإسلامية لعلمه أن نهاية التنظيم في حال اكتمال الحملة ونجاح الحشد، بسبب غياب الدعاية الأساسية وهي مقاتلة المحتل على الأرض بعد فشل التنظيم في جرّ أوباما لساحة المعركة وبعد أن أظهر الحضور الروسي بتنسيق إيراني وإسرائيلي أنه لا يرغب في إنهاء ملف الإرهاب وإنما إعادة إنتاجه ليدعم بقاء نظام الأسد وهو ما يفسر من يحضر في هجوم البغدادي ومن يغيب ولماذا؟
المنطقة تعيش تحديات كبيرة جدًا أحدها «داعش»، لكنه ليس كل القصة، فنحن نواجه حالة فراغ سياسي كبير إضافة إلى آثار الصعود الإيراني وإطلاق أذرعها العسكرية والسياسية في مناطق مختلفة، إضافة إلى الحضور النشط دبلوماسيًا وثقافيًا كما حصل في السودان سابقًا وتونس الآن ومناطق كثيرة عبر بوابة الوحدة الإسلامية آخر المفاهيم التي يتم تسييسها في سياق صراعات النفوذ والتحالف في المنطقة التي تزداد تفتتًا في حين أن مصالح الدول الغربية تزداد مع كل منعطف فيه تقاسم الكعكة والنفوذ دون تحمل تبعات انتشار فكر التطرف والعنف والإرهاب وأجيال جديدة من المؤمنين بالتغيير بالقوة وصعود حالة من «العدمية» بين صفوف فئات جديدة من الشباب قد لا تكون مرت بتجربة تطرف أو تحولات فكرية.


ما تشهده المنطقة من فوضى عارمة وصعود منطق الميليشيات والمجموعات الإرهابية تحت مظلة الإسلام السياسي سنية وشيعية، يؤكد أن جزءًا كبيرًا من الخريطة الكلاسيكية للنظام الإقليمي قد انهار إلى غير رجعة، فالشرق الأوسط لم يعد كما كان على عدة مستويات، فالحدود الجغرافية تغيّرت وتم حرثها من جديد بفعل انهيار مفهوم الدولة أولاً، واقتسام قوى سياسية إقليمية لخريطة الدول المهمشة في محاولة لابتلاعها عن طريق التبعية، كما تفعل إيران في أكثر من موقع بدافع الهيمنة التي تؤهلها إلى الدخول في معترك التفاوض بأوراق أكثر فاعلية من شأنها إقناع الطرف الأميركي والغربي في أي حوارات تخص المنطقة.
&