حسن بن سالم

تنظيم داعش، لا وصف أو تسمية له أبلغ من وصفه وتسميته بأنه هو تنظيم «المتوحشين»، علماً أن هذه الصفة ليست نقيصة أو معيبة في منظوره، فهو يعتمد وبصورة رئيسة على إستراتيجية ممارسة التوحش والرعب والذبح ونحر وجز الرؤوس بشكل ممنهج، ونشر تلك الصور والمشاهد المروعة في الملأ والتفاخر بها؛ لبث الرعب والخوف وترهيب المخالفين لهم.

&

هذه الممارسات والأساليب المتوحشة في القتل والتعذيب ليست أسلوباً أو نهجاً طارئاً مع ظهور تنظيم داعش على الساحة في هذه الظروف، وإنما هو نهج وأسلوب قد ترسخ على يد المؤسس الأول لهذا التنظيم وهو أبو مصعب الزرقاوي، بالتزامن مع الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إذ أصبحت عمليات الذبح والنحر سياسة ثابتة، ونهجاً لأتباعه وشبكته، حتى عرف واشتهر في الأوساط الجهادية بلقب أمير الذبَّاحين، إذ قام بنفسه بالقيام بتنفيذ العديد من عمليات نحر الرقاب، ونفذت شبكته آنذاك العديد من عمليات القتل والذبح في حق عدد الرهائن من مختلف الجنسيات الأميركية والأوروبية والآسيوية، وكان تنظيمه يقوم بتصويرها ويبثها على شبكات الإنترنت، وأصبحت تلك الأساليب إستراتيجية راسخة، بدءاً من الزرقاوي، ومروراً بأبي عمر البغدادي، وصولاً إلى خليفة التنظيم أبي بكر البغدادي، الذي طور من أساليب التوحش والقتل، فلم يكتفِ بعمليات الذبح والنحر، وإنما عمد تنظيمه إلى استخدام أبشع وأكثر الوسائل وحشية وهي الإحراق بالنار. لم يأتِ «داعش» بهذه الممارسات الوحشية ومن سبقه من المؤسسين لها من فراغ، وإنما ثمة تراث ديني في بطون الكتب يتكأ عليه، وثمة مرجعية كان لها الفضل والأثر المباشر في بناء العقيدة القتالية، وتحديد الخيارات الفقهية المتعلقة بالذبح والنحر وقطع الرؤوس وعمليات الاختطاف والاغتيال وتكتيكات العنف والرعب، فهذا التنظيم ومنذ نشأته يعتمد وبشكل كبير على كتب ورسائل أبوعبدالله المهاجر، والتي تشكل الأساس الفقهي والآيديولوجي للتنظيم منذ بداياته، وتمثل في الوقت ذاته سلطة مرجعية حاكمة فيه.

&

هذا الرجل يعتبر أهم شيوخ أبي مصعب الزرقاوي، إذ درس على يديه أربعة أعوام، أما كتابه «مسائل من فقه الجهاد» والمعروف باسم «فقه الدماء» والذي يقع في 600 صفحة، فهو يعتبر الأساس الفقهي لمعظم المنطلقات الفقهية والدينية لتنظيم داعش، فهذا الكتاب لا نظير له في بحث وإيجاد الآثار والنقول كافة من التراث الفقهي، والتي تفضي إلى أبشع وسائل القتل، ولو قلبناه من أوله إلى آخره فإن رائحة الدم تفوح من الكتاب (من الغلاف إلى الغلاف)، ولن يعجز أحد من أتباع هذا التنظيم عن أن يجد بين دفتي هذا الكتاب عما يسوِّغ شرعاً لأي عمل يريد أن يقوم به، فقد خصص هذا الكتاب مبحثاً كاملاً بعنوان: «مشروعية قطع رؤوس الكفار المحاربين» أكد فيه أن «قطع الرؤوس أمر مقصود، بل محبوب لله ورسوله على رغم أنوف الكارهين، وأن صفة القتل بقطع رؤوس الكفار وحزها سواء أكانوا أحياءً أو أمواتاً صفة مشروعة درج عليها الأنبياء والرسل»، وقام مؤلف الكتاب بإيجاد الشواهد والآثار الدينية في تبرير وتسويغ مختلف وسائل القتل والتعذيب؛ فهو لم يكتفِ بالذبح والإحراق، وإنما تناول القتل بإلقاء الحيات والعقارب، وبالإغراق بالماء، وبهدم الجدر والبيوت، وبالرمي من الشاهق، وصولاً إلى نتيجة دعا إليها الكتاب بأن كل وسيلة تتحقق منها نكاية وإخافة وإرهاب في صفوف الأعداء، وكل وسيلة تخطف أرواحهم وتنتزع أرواحهم، فلا حرج في استعمالها.

&

وما يخيف في هذا الكتاب عما سواه كونه يعد موسوعة أو مدونة فقهية تضم الآراء والآثار لعلماء وأتباع من المذاهب الأربعة، وهو ما يدعونا إلى التأكيد مراراً على أن دور العلماء والمفكرين والمؤسسات الدينية إزاء هذه الأفعال الإجرامية ليس مجرد الشجب والاستنكار وإصدار البيانات تجاه تلك الأفعال القبيحة، فالناس قد سئموا من تكرار ذلك في الصحف ومنابر الخطب والجمع، وإنما نحن أحوج ما نكون إلى خطوات واضحة، ومشاريع جريئة في إعادة قراءة تراثنا الديني وتعريضه للنقد والرد والغربلة، وأن نضع خطاً فاصلاً وواضحاً بين ما هو وحي إلهي وبين ما هو جهد بشري، ولاسيما تلك الآثار والاجتهادات المذهبية الموغلة في ظرفها التاريخي والزماني والمكاني، فمجتمعاتنا لم يعد بإمكانها تحمل كل ما قد ينجم عن نتائج وخيمة؛ بسبب توظيف تلك النقول والآثار من التنظيمات المتطرفة.

&

وإزاء هذه الجريمة التي ارتكبها هذا التنظيم وما تبعها من سخط واستنكار عالمي؛ لوحشيتها وبشاعتها، فإن هذا التنظيم وبارتكابه هذه الجريمة التي كانت في ليلتها محط كل الأنظار ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، وهو حدث جدير بكل ذلك الاهتمام والمتابعة، قد قام بتقديم أعظم خدمة للنظام السوري الذي كان في حينها وعلى مدى يومين يقوم بارتكاب الجريمة ذاتها في حق العشرات من الشعب السوري في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، التي حولها إلى نيران ملتهبة، وقام بحرق العشرات ببراميله وصواريخه من غير إنتاج أو مؤثرات، ولكن العالم والمجتمع الدولي الذي جرحت مشاعره وثارت ردود أفعاله تجاه الجريمة البشعة التي فعلتها عصابة داعش، لم يحرك ساكناً تجاه دوما التي حرقتها عصابة الأسد على رؤوس النساء والأطفال.
&