ماثيو كونيلي و ريتشارد إيمرمان

تقدر الإدارة القومية للأرشيف أن من دون التكنولوجيا الحديثة لكانت المعلومات احتاجت إلى مليوني موظف في العام لفحص البيانات وكشف السرية عنها

&
دأب الحكام على القول إن «التاريخ هو الحكم» عندما يتخذون قرارات صعبة. والمؤرخون على كل حال يتمتعون بمزية النظر للأحداث بعد مرورها وفحص أرشيف الملفات لما كان سراً ذات يوم. لكن كيف سيحكم التاريخ على جيل من الزعماء لم يحافظوا على السجل التاريخي؟ والكشف في الآونة الأخيرة عن أن هيلاري كلينتون لم تستخدم إلا حساب بريدها الإلكتروني الشخصي عندما كانت وزيراً للخارجية ولم تحتفظ برسائل بريدها الإلكتروني على «خوادم» -سيرفرات- الوزارة يعكس فيما يبدو عدم مبالاة مزعجة بالاحتفاظ بالتاريح الذي عايشته. وقدم معاونو كلينتون في نهاية المطاف 55 ألف صفحة من المراسلات. لكن مكتب المؤرخ في وزارة الخارجية يقدر أن الوزارة تنتج مليوني بريد إلكتروني في العام.

وحتى لو أن كلينتون خزنت كل مراسلاتها بدقة لربما ظل معظم الأميركيين لا يعرفون الكثير عن «الربيع العربي» والبرنامج النووي الإيراني. والمشكلة الأكبر تتعلق بأن الحكومة تنتج كماً مذهلاً من البريد الإلكتروني معظمه سري والجمهور لا يطلع عليه ما لم يحافظ عليه موظفو الأرشيف ويعالجونه. وهذه مشكلة للحكومة الاتحادية برمتها كما كان يجب أن ندرك عندما لم تستطع مصلحة الضرائب أن تقدم حتى أحدث رسائل البريد الإلكتروني لترد على تحقيق في الكونجرس عام 2014. وبينما يمثل أرشفة رسائل البريد الإلكتروني تحدياً فنياً للحكومة الاتحادية فمن حسنات إدارة أوباما أنها أصدرت أمراً بمعالجة كل السجلات الإلكترونية رقمياً بحلول عام 2019 قبل إرسالها إلى «الإدارة القومية للأرشيف والسجلات». وتشير «هيئة رفع السرية للصالح العام» وهي وكالة غير حزبية إلى أن وكالة استخبارات واحدة تنتج ما يعادل 1000 تيرابايتمن البيانات السرية كل 18 شهراً أي ما يعادل 20 مليون دولاب بأربعة أدراج من الملفات. وتقدر الإدارة القومية للأرشيف أنه دون التكنولوجيا الحديثة لاحتاجت المعلومات إلى مليوني موظف في العام لفحص البيانات لكشف السرية عنها. وبدلا من هذا هناك 41 موظف أرشيف فحسب يعملون في «كوليدج بارك» بولاية ماريلاند لفحص السجلات من جميع وكالات الحكومة الاتحادية. والتعامل مع «البيانات الكبيرة» يمثل تحدياً كبيراً. وخصصت الإدارات «الديمقراطية» و«الجمهورية» على السواء من الموارد لحماية أسرار الدولة أكثر مما خصصت للحفاظ على السجلات التاريخية. وأشار «مكتب الإشراف على أمن المعلومات» أن ما يقدر بنحو 11.6 مليار دولار أُنفق عام 2013 للحفاظ على أمن المعلومات ولم ينفق إلا 99 مليون دولار على رفع السرية، أي أقل من ثلث أُنفق قبل 15 عاماً. وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي كان أكثر من 200 مليون صفحة من الوثائق تُكشف السرية عنها كل عام. واليوم استقر هذا الرقم عند 30 مليون رغم الزيادة الهائلة في البيانات السرية.

وقال «ويليام ماير» مدير خدمات البحث في الإدارة القومية للأرشيف في مؤتمر صحفي في الآونة الأخيرة أن الحجم الحالي من المعلومات السرية «يُعجز العقل». فأسرارنا تضيع وإلى الأبد. وفي الآونة الأخيرة، بدأ موظفو الأرشيف يحذفون ملايين البرقيات والوثائق دون الإطلاع عليها لعدم توافر موظفين لفحصها. وهذا نتيجة السرية المفرطة وقلة الاستثمار في واحدة من أهم وظائف الحكومة، وهي الحفاظ على سجل ما تفعله باسمنا. ومن الواضح أن موظفي الأرشيف وكلينتون يحتاجون إلى تكنولوجيا جديدة لمعالجة السجلات. ونحتاج إلى المزيد من الإجراءات الراديكالية أيضاً. وكما لاحظ السياسي الأميركي الديمقراطي «دانيل باتريك موينيهان» ذات مرة أن المسؤولين يختزنون الأسرار لأنها عملة السلطة لكن الكثير جداً من الأسرار يقلل قيمة هذه العملة. ويجب على المسؤولين ألا «يسكوا» أسراراً جديدة حتى يرفعوا السرية عن عدد مقابل من الأسرار القديمة. واحتجاز معلومات بطريقة خاطئة عن الجمهور يجب أن يعامل بنفس القسوة مثل الكشف غير المرخص عن معلومات. وإذا لم يستطع الفرع التنفيذي إصلاح نفسه، يجب على الكونجرس إنشاء مصلحة مستقلة للتحكم في السرية الرسمية والحفاظ على السجلات العامة. وتئن الإدارة القومية للأرشيف تحت ثقلها وقد تنهار تحت سيل السجلات الإلكترونية. وإذا حدث هذا، فإن التزام أميركا بشفافية الحكم سيصبح شيئاً من الماضي لأن كشف الماضي نفسه سيصبح صعباً.

&


&

*أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا.

**أستاذ التاريخ في جامعة تيمبل ورئيس اللجنة التاريخية الاستشارية في وزارة الخارجية الأميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
&