أيمـن الـحـمـاد


ما إن انتهى رئيس الاستخبارات الأميركية جون برينان من حديثه أمام النخبة السياسية في مجلس العلاقات الخارجية التي فاجأها بقوله: إن بلاده لا تريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها، لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولا سيما تنظيم "داعش"، حتى خرج وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليخبر مشاهدي قناة "سي بي إس" أن واشنطن ستضطر للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد بشأن تحوّل سياسي في سورية وهي تبحث سبل الضغط عليه للقبول بهذا الخيار.

يأتي هذا الحديث والثورة السورية تدخل عامها الخامس، ومليون ونصف المليون لاجئ سوري يعيشون في الشتات، وأكثر من مئتي ألف قتيل لقوا حتفهم نتيجة عمليات القتل والتعذيب التي مارسها النظام السوري بحقهم، في ظل تخاذل من القوى الدولية التي سيّست تلك الأزمة حتى غدت في حالة من التعقيد الشديد والمستقبل الحالك، دون أفق واضح يمكن الاهتداء به إلى بر الأمان.

يبرز الموقف الجديد للإدارة الأميركية، التي اُنتقدت بشدة بسبب مواقفها المترددة تجاه الأزمة السورية والخطوط الحمراء التي وضعتها أمام تجاوزات نظام الأسد، الذي أمعن كثيراً في التنكيل بالشعب السوري، وعدّته واشنطن نفسها فاقداً للشرعية، نجدها اليوم تعود لذات السلوك السياسي المربك لحلفائها حتى أكثرهم قرباً منها، ونعني هنا لندن التي بادرتها برفضها التفاوض مع النظام السوري.

واشنطن اليوم تعطي الأسد شرعية لا يستحقها عندما تطلبه للتفاوض، وتناست بأنها قد فرضت عليه عقوبات، وكادت أن تشنّ حملة عسكرية على نظامه، وكادت أن تخسر أكثر حلفائها قرباً لها؛ بسبب عدم وضوح موقفها تجاه الأزمة، التي تنعكس بشكل سيئ وبائس على الأوضاع في الشرق الأوسط، وتتناسى أن "داعش" - التي تخشى واشنطن أن تكون خليفة النظام السوري في دمشق - هي قبلة الحياة لهذا النظام.. على حد قول واشنطن بوست.

تعطي المواقف الأخيرة للإدارة الأميركية دعماً معنوياً كبيراً لنظام الأسد، دون أن يكون لهذا النظام أي بوادر لحسن النية بل على العكس، وتلك المواقف سوف تنعكس سلباً على المعارضة السورية التي تحتاج الكثير من الدعم المعنوي والمادي وتضعف من مواقف "الجيش الحر" التابع للائتلاف السوري.

قلق واشنطن ودول المنطقة من "داعش" وانحرافاتها مبرر، لكن كان من الأجدر الذهاب لتقوية المعارضة سياسياً وعسكرياً لتكون خليفة لنظام الأسد الذي ترك في كل بيت سوري باحثاً للثأر منه.
&