غسان العزي
&
كان من الطبيعي أن يتمدد "الربيع العربي" الذي بدأ في تونس ثم مصر، إلى اليمن . فالرئيس علي عبدالله صالح لم ينجح طوال سنوات حكمه الثلاثين في بناء دولة القانون وتخطي الانقسامات العشائرية وما بين الشمال والجنوب، فاستأثر بالسلطة ووضع أقرباءه ومعاونيه في المراكز الأمنية والإدارية الحساسة .لكنه حظي بتأييد الأميركيين بسبب محاربته لتنظيم القاعدة وبرضا دول عربية مجاورة بسبب محاربته للحوثيين طوال الحروب الستة المتوالية .
&
ولأسباب كثيرة منها نفوذ وشعبية حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه صالح إضافة إلى طبيعة المجتمع اليمني العشائرية (ثمانون في المئة من السكان يعيشون في الأرياف) وانتشار السلاح بشكل واسع جداً بين السكان والموقف الإقليمي من انتقال الربيع العربي إلى اليمن . . إلخ . لم يسقط صالح بالسهولة التي سقط فيها ابن علي في تونس ثم مبارك في مصر . تعرض الرجل في 3 يونيو/حزيران 2011 إلى محاولة اغتيال لم تثنه عن التمسك بالسلطة التي لم يتخل عنها إلا بموجب مبادرة خليجية أخرجته من قصر الرئاسة وليس من صنعاء حيث بقي "الراقص على رؤوس الثعابين"، يسمي نفسه، لاعباً من خلف الكواليس . لم تكن مهمة الرئيس عبدربه منصور هادي في قيادة المرحلة الانتقالية، بموجب المبادرة الخليجية، سهلة بل واجهتها من العقبات والعثرات أكثر مما كان محسوباً ومتوقعاً . ومنذ بداية العام 2012 تاريخ اعتلائه الرئاسة المؤقتة لم تستتب الأمور يوماً واحداً في اليمن . فمن الناحية الأمنية تكاثر عدد الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية والحوادث المسلحة ليبلغ ما معدله عشرة في الشهر الواحد، بحسب التقديرات . فقد نشط تنظيم "القاعدة" بشكل ملحوظ على الرغم من متابعة الحرب الأميركية عليه، والمدعومة من الحكومة المركزية اليمنية في عهد هادي كما كانت عليه الحال في حقبة صالح، من طريق طائرات الدرون (من دون طيار) التي قتلت الكثير من كوادره وقياداته العليا . وكان فرعا القاعدة في اليمن والسعودية قد اندمجا، في العام ،2009 تحت مسمى "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" والذي تبنى الكثير من العمليات الإرهابية في المنطقة وخارجها، وآخرها عملية "شارلي إيبدو" في باريس مطلع العام الجاري والتي كانت لها أصداء عالمية واسعة .
&
إضافة إلى الناحية الأمنية تعثر الانتقال السياسي اليمني على الرغم من حكومة الوفاق الأولى التي استقالت لتحل محلها حكومة جديدة . وعلى الرغم من كل الاتفاقات والوثائق الموقعة من الأطراف اليمنية الفاعلة والتي اشتركت فيما بينها بالافتقار إلى الإجماع وبوجود معارضين ومتضررين عملوا على إخفاقها . فالتحالفات السياسية اليمنية لطالما اتسمت بالسيولة والتبدل الدائمين على وقع تغير المصالح وتدخلات القوى الخارجية .
&
وعلى الرغم من استمرار الصراع مع الحوثيين في عهد الرئيس هادي فإن هؤلاء استفادوا بدورهم من تعثر العملية الديمقراطية ليقووا أنفسهم ويستعدوا، مدعومين بالحليف الإيراني الذي يمتلك حسابات إقليمية ودولية على وقع مفاوضاته النووية مع الأميركيين، للهجوم الكبير المباغت على صنعاء . فمنذ ربيع العام المنصرم بدأ تقدم "أنصار الله" رويداً من معقلهم في صعدة نحو مناطق جديدة إلى أن تمكنوا في غفلة من الفوضى اليمنية من احتلال العاصمة نفسها .&
&
من ناحية أخرى فإن الحرب على القاعدة، وهي أولوية أميركية، تضع الولايات المتحدة والحوثيين في خندق مشترك، كما فعلت الحرب على "داعش" التي تشكل تحالفاً موضوعياً ولو غير معلن بين طهران وواشنطن . وإذا ما أضيف ذلك إلى أخبار تقدم المفاوضات النووية واقتراب التوقيع على "اتفاق تاريخي"، فإن ذلك يزيد من الإرباكات والغموض في خريطة التحالفات والخصومات في الشرق الأوسط والخليج .
&
المبادرة الخليجية انطلاقاً من الرياض لا تملك الكثير من القدرة على إعادة صياغة مشهد يمني شديد التعقيد والتداخل .فالرئيس السابق علي عبدالله صالح كان عدواً للحوثيين قبل أن يضحى اليوم حليفاً لهم طمعاً في الانتقام من ثورة 2011 وربما العودة إلى السلطة أو توريثها لنجله أحمد قائد الحرس الجمهوري . والرئيس هادي الذي جعل من عدن عاصمة له يحظى فيها بالكثير من الحلفاء، والذين لبعضهم مثل "الحراك الجنوبي" مآرب خاصة قد لا تتفق مع أهدافه، إضافة الى أعداء لا يستهان بهم مثل قائد القوات الأمنية عبدالحافظ السقاف الذي رفض أوامر هادي بتنحيته وشن هجوماً على اللجان الشعبية المؤيدة لهادي . لقد انشطر اليمن بين الشمال والجنوب كما انقسم الجيش بدوره . وفي مناطق كثيرة تقوم التظاهرات المنددة بالاحتلال الحوثي، وفي مناطق أخرى تطالب التظاهرات بترشيح أحمد علي عبدالله صالح للرئاسة .
&
السلاح منتشر بوفرة في اليمن والفاعلون المحليون فيه كثر أيضاً، ويجمع ما بينهم القليل من الرؤى والأهداف . الحوثيون يحلمون بالعودة إلى زمن الإمامة الزيدية التي انتهت في العام ،1962 والجنوبيون يسعون إلى الأنفصال أو الاستقلال كما يقولون، وهناك من يود يمناً فيدرالياً من ستة أقاليم، وهناك من يريده موحداً ولكن تحت زعامته .
&
جل ما يمكن أن تنجح في تحقيقه المبادرة الخليجية، انطلاقاً من الرياض، قد يكون تهدئة مؤقتة في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في كل المنطقة التي تنتظر بدورها تعديلات في خرائطها التي سبق ورسمها سايكس بيكو منذ قرن كامل من الزمن .