فهمي هويدي
&الرسالة التي وصلتنا حتى الآن في قضية قتل الناشطة المصرية شيماء الصباغ توفر لنا بعض التفاؤل وكثيرا من الحيرة، إذ حين يوجه الاتهام إلى ضابط شرطة في القضية فذلك أمر مهم لا ريب، وأن يحال إلى القضاء لواء شرطة بتهمة تضليل العدالة والإدلاء بمعلومات كاذبة فتلك أيضا خطوة غير مسبوقة. وفي الحالتين فإننا نستطيع القول بأننا صرنا إزاء حالة استثنائية وفريدة، تحمل في ثناياها إشارة إلى أننا خطونا الخطوات الأولى على طريق العدالة.
ولمن نسي فإن المحامية السكندرية شيماء الصباغ، عضو حزب التحالف الاشتراكي، قتلت حين كانت ضمن مسيرة سلمية دعا إليها الحزب يوم ٢٤ يناير الماضي لوضع الزهور على النصب التذكاري لثورة ٢٥ يناير بميدان التحرير في مناسبة الذكرى الرابعة للثورة، ضمن آخرين من أعضاء الحزب. وقبل أن تبلغ المسيرة مرادها، تصدت لها الشرطة، وكان نصيب شيماء طلقات خرطوش أردتها قتيلة. وشاءت المقادير أن يقع الحادث بعد ٢٤ ساعة من قتل فتاة أخرى في السادسة عشرة من عمرها (بالصف الأول الثانوي) اسمها سندس رضا، كانت قد شاركت في تظاهرة لأنصار الإخوان بالإسكندرية، قام خلالها أحد رجال الشرطة بما فعله نظيره في القاهرة. الأمر الذي انتهى بسقوط سندس قتيلة من جراء الخرطوش الذي تلقته في صدرها ووجهها. إلا أن قتل سندس لم يحظ بأي اهتمام، في حين أن قتل شيماء أثار صخبا وضجيجا في وسائل الإعلام، ومن ثم نال القدر الأكبر من الانتباه والاهتمام. صحيح أن الجغرافيا كان لها دورها في ذلك، إلا أن عوامل أخرى رفعت درجة الاهتمام بقضيتها. ذلك أن مسيرة حزب التحالف الاشتراكي كانت في بؤرة الضوء بالقاهرة، الأمر الذي وفر لها تغطية إعلامية تلفزيونية جيدة، سواء من جانب الإعلاميين المصريين أو المراسلين الأجانب. وهو ما لم يتوافر لتظاهرة الإسكندرية. ثم لا تنس أن المسيرة كانت لحزب يساري في حين أن تظاهرة الإسكندرية نسبت إلى الإخوان. وليس خافيا أن الأولين من المحظوظين المرضي عنهم في حين أن الآخرين من المحظورين الذين لا بواكي لهم. وإذ تعالت الأصوات معربة عن الغضب لقتل شيماء، وأشارت أصابع الاتهام إلى دور الشرطة فيما جرى. معززة بصور الإعلاميين واللقطات التلفزيونية. فإن ذلك أحرج الداخلية. وضاعف من الحرج أن الأصوات العالية وصلت إلى مسامع الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلن اهتمامه بالموضوع في إحدى المناسبات، كما أن رئيس الوزراء تحدث عن ضرورة أن يأخذ العدل مجراه في القضية، وكان ذلك كافيا لتوجيه الاهتمام لقضية شيماء الصباغ، ونسيان قضية سندس رضا، رغم أن الملابسات واحدة، والنهاية كذلك.
كانت وزارة الداخلية قد أعلنت أن الشرطة لم تستخدم الخرطوش في المسيرة التي قتلت فيها شيماء، وحاولت تلبيس التهمة للأمين العام لحزب التحالف الاشتراكي، وفي الوقت نفسه فإن الطب الشرعي أثبت أنها قتلت بالخرطوش. إلا أننا لم نستطع أن نتابع التحقيق بسبب قرار النائب العام بحظر النشر في القضية، وبعد نحو شهر ونصف الشهر من التحقيقات والمناظرات وغير ذلك لم يكن هناك مفر من توجيه الاتهام إلى الداخلية على النحو الذي أشرت إليه في البداية، وإذ عبرت عن الترحيب بذلك التوجه، إلا أنني لم أستطع أن أخفي شعورا بالحيرة إزاءه.. لماذا؟
لأن الضابط الذي دلت القرائن والصور والشهادات على أنه الذي أطلق الخرطوش الذي قتل شيماء وجهت إليه تهمة الضرب الذي أفضى إلى الموت. وذلك توصيف تفوح منه رائحة غير مطمئنة، ذكرتني بالتلاعب في قضية عبارة السلام التي قتل فيها ١٣٠٠ شخص غرقا وحدث تلاعب في تكييف القضية حولها إلى مجرد «جنحة» الحد الأقصى للعقوبة فيها ٣ سنوات. وكما يقول المحامون فإن وصف الضرب المفضي إلى الموت يستخدم عادة في حالة المشاجرات بين الأطراف المتعددة. صحيح أن بوسع المحكمة أن تعيد توصيف القضية، إلا أن الإحالة بحد ذاتها تشي بالرغبة في الإفلات من العقاب، لأن الضابط الذي وجه الخرطوش إلى وجه شيماء وأصابها في رقبتها لا يمكن أن يوصف فعله بأنه ضرب أفضى إلى الموت. وهناك تخوف آخر يعبر عنه المحامون هو أنه إذا أقحم آخرون مع الضابط في جريمة الضرب المفضي إلى الموت فإن ذلك يمهد لتمييع التهمة وتبرئة الضابط، حيث يتعذر في هذه الحالة تحديد الشخص الذي وجه الضربة التي أدت إلى الوفاة. وقائمة الشكوك التي يعبر عنها المحامون طويلة، ذلك أنهم يستبعدون احتمال إدانة الضابط لأن ذلك له عواقبه التي تفتح الأبواب لتداعيات لا قبل لأحد في السلطة بها، خصوصا أن القاعدة المتعارف عليها أن الضباط لا يحاسبون عما يرتكبونه من انتهاكات. وقد أثبتت التجربة ذلك لأنهم برئوا في الأغلبية الساحقة من القضايا التي حوكموا فيها بسبب القتل أو التعذيب.
الملاحظة الأخرى تتعلق باتهام لواء الشرطة بتضليل العدالة وتقديم معلومات مغلوطة لجهة التحقيق، وفي رأي المحامين أن الأصل في المعلومات التي تقدمها الداخلية في مختلف القضايا هو إنكار الحقائق وتضليل العدالة. وأقرب مثل على ذلك أن وزير الداخلية السابق نفى إطلاق الخرطوش على المسيرة في حين أثبت تقرير الطب الشرعي وتحقيقات النيابة أن شيماء قتلت بخرطوش الشرطة.
وإذا وضعنا في الاعتبار أن أغلب القضايا التي قدمت حتى الآن اعتمدت على تحريات الشرطة، رغم أن محكمة النقض لا تعترف بها كشهادات في أي قضية، فإن اتهام لواء الشرطة بتضليل العدالة يفتح الباب للدعوة إلى إعادة النظر في عديد من القضايا التي صدرت فيها الأحكام بناء على شهادات مطعون في صحتها. وقد رأينا في قضية خلية الماريوت التي اتهم فيها بعض صحفيي قناة الجزيرة أن ضابط الأمن الوطني الذي قامت القضية على تحرياته حين سئل عن مضمونها في جلسة الخميس الماضي (١٩/٣) فإنه رد على ٢٧ سؤالا بخصوص تحرياته قائلا إنه «مش فاكر»! ـ (الخبر نشرته جريدة التحرير على صفحتها الأولى أمس ـ الجمعة 20/٣).
لا أريد أن أقلل من أهمية الخطوات التي تمت. ولا أريد أن أعزي نفسي بمقولة شيء من العدالة خير من لا شيء على الإطلاق، فذلك مما لا يليق ببلد مثل مصر، لكنني أتمنى أن يكون المضي على درب العدالة في القضايا السياسية قاعدة وليس استثناء.
&
التعليقات