عوامل التطرف متعددة وتختلف من شخص لآخر، وجهود مكافحته يجب ألا تنصب على جانب دون غيره، ويتعين إعطاء اهتمام خاص لحواضنه المعروفة
&
منذ ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا وتمدده لاحقاً في العراق وهو يحظى باهتمام إعلامي لافت ليس أقله بسبب رغبة التنظيم نفسه في تسجيل حضوره الإعلامي وتأكيد تواجده في صفحات التواصل الاجتماعي من خلال أشرطة القتل التي يبثها، والمحاولات الدعائية التي يسعى من خلالها لتجنيد المزيد من الاتباع، ومن هذا الاهتمام المتواصل تلك المحاولات الأكاديمية التي ما فتئت تتناول الظاهرة الإرهابية، و«داعش» تحديداً، لفهم خلفيات هذا التنظيم الغامض وسبر أغواره. وفي هذا السياق يأتي الكتاب الحالي بعنوان «داعش: دولة الرعب» للمؤلفين «جيسكا ستيرن» و«جي إم بيرجر»، الخبيرين في شؤون الإرهاب والجماعات المتشددة، ويهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على بعض ملامح «داعش» وخصائصه المميزة مقارنة بتنظيمات أخرى مثل «القاعدة». فخلافاً لهذه الأخيرة التي سعت إلى التجنيد بين صفوف العناصر القريبة من بيئتها سواء أكانت في أفغانستان، أو اليمن، أو شمال أفريقيا، ركز «داعش» على التمدد ليس فقط جغرافياً، كما هو حاصل في العراق وسوريا، بل أيضاً توسيع رقعة التجنيد لتشمل عناصر من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بل من أوروبا وأميركا الشمالية كذلك. وهناك من المراقبين من يوسع دائرة الاستقطاب «الداعشي» لتصل تجنيد أشخاص من الفلبين والصين، وكذا الصومال وبعض بلدان أميركا اللاتينية، فما الذي يغرر بهؤلاء الناس بخلفياتهم المختلفة وشخصياتهم المتباينة؟
هنا يستشهد الكتاب بآراء الخبراء الذين بدورهم لا يتفقون على رأي واحد بشأن الأسباب التي تدفع بعض الشباب إلى ترك بلدانهم، وبعضها يوفر حياة كريمة مثل كندا وغيرها من أقطار الغرب، للالتحاق بوهم «داعش»، فالخبراء لم يتفقوا على نمط معين، أو ملامح نفسية بعينها توحد الانحراف الإرهابي، إذ لا يوجد طريق واحد يسلكه المنجذبون إلى «داعش». وحتى الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص تتباين من شخص إلى آخر، بحيث لا يمكن الجزم بانجذاب الفقراء والأقل حظاً اجتماعياً، في حين يشهد التنظيم انضمام عناصر تنحدر من بيئات بعيدة كلياً عن الفقر والحاجة، هذا ناهيك عن اختلاف المستوى التعليمي، ولاسيما بعد استقطاب المهندسين والأطباء إلى التنظيم، ولكن الأبحاث التي أجريت حول الموضوع التي يتعقبها الكتاب ترجع انجذاب الشباب إلى تنظيم «داعش» إلى عوامل خارجية وأخرى داخلية. أما الخارجية فترتبط أحياناً بتفسير الشخص للعالم، ولاسيما المظالم التي يرى بعض الشباب سواء في العالم الإسلامي، أو الغرب، أنها نتيجة تعسف غربي مثل ما يجري في الأراضي الفلسطينية من عدوان إسرائيلي وتواطؤ غربي، ثم هناك أحداث أخرى قريبة تاريخياً مثل مجازر البوسنة وغزو أفغانستان والعراق.
هذا بالإضافة إلى العوامل الحالية مثل القسوة والبطش اللذين يعامل بهما النظام السوري شعبه، والظلم والتمييز السافر الواقع على سنة العراق، ولكن كل تلك الأمور لا تفسر التحاق الشباب الغربي على وجه الخصوص بتنظيم «داعش» وإقدامه على ارتكاب أفظع الجرائم، إذ يبدو أن العوامل الداخلية لا تقل أهمية، فهناك من قد يترك حياته وعائلته وأصدقاءه سعياً وراء شعور بالانتماء مفتقد لديه في بلدانه الغربية، كما أن البعض يبحث عن هوية متخيلة تجمعه مع باقي المسلمين، حتى وإن كانت هوية زائفة ومصطنعة. وفي جميع الأحوال يوضح الكتاب أن عوامل التطرف متعددة وتختلف من شخص لآخر، ما يعني أن جهود مكافحته يجب ألا تنصب على جانب دون آخر، مع اهتمام خاص بالحواضن المعروفة التي يشير إليها الخبراء مثل السجون في البلدان الغربية التي باتت مرتعاً لتجنيد الأتباع، وأيضاً الفضاء الإلكتروني الذي لم يعد خافياً دوره في جذب انتباه الشباب الغر الجاهل بالتعاليم الحقة للدين الإسلامي. هذا بالإضافة إلى قطع الطريق على أئمة الكراهية في بعض دور العبادة التي تنتشر في الغرب ويتم التعامل معها بتسامح مفرط تؤدي في غالب الأحيان إلى تفريخ الإرهابيين وإرسالهم إلى بؤر التوتر سواء في العراق، أو سوريا.
&
&زهير الكساب
الكتاب: داعش: دولة الرعب
&
&
المؤلفان: جيسكا ستيرن وجي إم بيرجر
&
التعليقات