&شريف الغمرى

&

&فجوة الثقة تتسع بين تركيا والغرب، الذى يعتبر حليفا لها، وبدأت هذه الفجوة تظهر فى استفسارات متكررة، تندرج تحت سؤال شامل يعبر عن الشعور بالغضب يقول: لماذا لا تفعل تركيا ما فيه الكفاية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، ولا تتخذ مواقف متشددة من تنظيم داعش، الذى أصبح معروفا أنه يتحرك داخل أراضى تركيا نفسها؟.


صحف غربية عديدة تحدثت بمرارة عن عدم جدية تركيا فى مواجهة الإرهاب، من بينها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التى كشفت عن أن الأجانب الذين يريدون الانضمام لداعش والقتال فى صفوفها، مازالوا يعبرون حتى الآن الحدود من تركيا إلى سوريا، عبر أراض زراعية فى الريف التركى، ومن خلال طرق بعيدة عن الطرق المعروفة، بالرغم من الضغوط التى يمارسها الحلفاء الغربيون على تركيا، لكى يكون لها موقف جدى من داعش والمنظمات الإرهابية.


وكشف أشخاص يمارسون مهنة تهريب السجائر والوقود والسكر والمكسرات عبر الحدود التركية ــ السورية، عن أنهم اضطروا للتعامل مع الإرهابيين ومعاونتهم فى عبور الحدود بعد أن تم تهديدهم بالقتل أو بقطع أرزاقهم، وأحيانا كانوا يتلقون اتصالا هاتفيا فى وقت متأخر من الليل من أحد قادة داعش فى سوريا، يبلغهم تعليمات باستقبال بعض المنضمين إليهم حديثا وتسهيل إقامتهم فى الفنادق الفاخرة لحين نقلهم عبر الحدود.

&

ويقول أحد هؤلاء المهربين فى تصريحات للصحيفة، إنه من بلدة "كيليس" على الحدود، وأن الجنود الأتراك فى قريته، والذين يعرفونه شخصيا، يديرون وجوههم بعيدا وهو يتحرك مع "الإرهابيين الجدد" فى أثناء مساعدتهم على العبور عبر الحدود.

&

وكانت المقاهى والشوارع فى "كيليس" وغيرها من المدن الحدودية قد شهدت، فى عام 2012، زحاما شديدا من أشخاص يطلقون لحاهم، ويحملون حقائبهم، ويترددون على المحال فى هذه المدن، التى تبيع معدات عسكرية وأسلحة وشارات مطبوعا عليها شعارات.

&

ويشير المهرب التركى أيضا، الذى يساعد فى عملية عبور الإرهابيين من تركيا إلى سوريا، إلى أن الدولة نفسها كانت تعرف وتغمض عينيها، حتى لا تظهر وكأنها تساعد رسميا الإرهابيين على التحرك من خلال الأراضى التركية. وطبقا لتقرير كتبه نيكولاس راسموسن مدير المركز القومى لمكافحة الإرهاب فى واشنطن، فإن نحو 20 ألفا من الأجانب بينهم 3400 من دول غربية، قد انضموا للقتال فى صفوف داعش بسوريا والعراق، وأن غالبيتهم وصلوا هناك عن طريق تركيا، كما ذكر مسئولون غربيون أن المسئولين الأتراك لا ينظرون إلى تنظيم داعش على أنه عدو رئيسى لهم.

&

ويقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، أن تركيا اتخذت أخيرا بعض الإجراءات للحد من تدفق الإرهابيين عبر أراضيها، إلا أن الدول الغربية الحليفة لها تعتبر هذه الإجراءات غير كافية، وأن هذا الشعور يزداد فى أوروبا، خاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة فى فرنسا، والقلق تجاه احتمال عودة هؤلاء الإرهابيين الغربيين إلى بلادهم الأوروبية، لتنفيذ عمليات داخلها.

&

وفى جلسة للكونجرس الأمريكى أخيرا، سئل جيمس كلابر مدير المخابرات القومية، عما إذا كان متفائلا من أن تركيا ستبذل مزيدا من الجهد لمكافحة إرهاب داعش؟ لكنه رد قائلا: "لا .. لست متفائلا، وأعتقد أن تركيا لها أولويات ومصالح أخرى"، كما أشار كلابر إلى استطلاع للرأى أجرى فى تركيا يظهر أن الأتراك لا ينظرون إلى داعش على أنها تمثل تهديدا أساسيا لبلادهم، وقال أن نتائج هذا الموقف التركى مستمرة فى ايجاد مناخ متساهل، يسمح حتى الآن بتحرك الإرهابيين ذهابا وعودة. ومن المعروف أنه فى السنوات الأخيرة للحرب داخل سوريا، كان من يطلق عليهم اسم "الجهاديين"، يعبرون الحدود بسهولة بمساعدة عملاء أتراك يعملون لحساب حكومة تركيا، التى كانت متلهفة على أن يساعدها هؤلاء فى إسقاط حكم بشار الأسد.

&

إن الدور التركى يلعب على كل التناقضات، فهو ملتزم سياسيا وأدبيا بعضويته فى التحالف الغربى، لكنه من ناحية أخرى يتبع سياسات ضد اجراءات هذا التحالف الحالية لمواجهة الإرهاب، كما أن تركيا تعلن رسميا وقوفها مع الدول التى تحارب الإرهاب، لكنها تحتفظ بالطرق غير الرسمية، بعلاقات مع منظمات إرهابية عديدة فى المنطقة، وهو ما يجعلها طرفا رئيسيا ضد استقرار وأمن وسلامة دول وشعوب المنطقة.

&

وهى تفعل ذلك لحساب أجندة طموحات تركية خالصة، بدأت تظهر بقوة مع مجىء أردوغان، وحزبه التنمية والعدالة للحكم، والذى سيطرت عليه أحلام إعادة عصور الإمبراطورية العثمانية، التى كانت تسيطر على جميع دول المنطقة فى زمن مضى، بالطريقة نفسها التى تنافسها فيها الآن إيران، والتى يتحدث قادتها صراحة عن أحلامهم فى بعث عصر الإمبراطورية الفارسية من جديد.
&