الصراع الإقليمي المشتعل يهدد بتقويض الوضع اللبناني الهش أصلاً، وأيضاً تعقيد عملية الحوار الجارية بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»
&
يبدو أن أصداء الحملة التي يقودها التحالف العربي والإسلامي بزعامة السعودية على «الحوثيين» في اليمن وصلت بتداعياتها إلى لبنان، حيث تلوح في الأفق احتمالات معركة بالوكالة بين السعودية وخصمها الإقليمي، إيران، هذه الأصداء التي ليست بالضرورة طيبة عبر عنها، أحد مؤيدي «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، قائلًا عن الحملة الجوية «إنهم يقتلون الشيعة في اليمن، لقد أعلنت الدول العربية السُنية الحرب على الشيعة»، والحقيقة أن ما يجري في اليمن حالياً يوضح مدى الترابط الكبير في الصراعات الإقليمية وطبيعتها المتداخلة في وقت تسعى فيه السعودية وإيران إلى تثبيت نفوذهما في الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس على الوضع اللبناني الذي يدعم فيه كل طرف جماعة معينة تواليه وتدافع عن مصالحه، فالسعودية تقود حالياً تحالفاً من عشر دول عربية وإسلامية ذات غالبية سُنية لمحاربة «الحوثيين» في اليمن الذين تساندهم إيران، حيث أقدموا في الآونة الأخيرة على احتلال العاصمة صنعاء وهم يهددون بالزحف على مدينة عدن في جنوب اليمن، الأمر الذي يمس أمن السعودية ومصالحها في منطقتها.
وبطلب من الحكومة اليمنية التي أطاح بها «الحوثيون» شنت الطائرات السعودية غارات مكثفة على مواقع وأهداف تابعة للحركة في اليمن، فيما أكد القادة العرب في الدورة العادية الأخيرة للجامعة العربية استمرار القصف حتى «ينسحب الحوثيون ويسلموا أسلحتهم».
لكن الصراع الإقليمي المشتعل يهدد بتقويض الوضع اللبناني الهش أصلا، وأيضاً تعقيد عملية الحوار الجارية بين «حزب الله» المدعوم من إيران و«تيار المستقبل» الذي يقوده سعد الحريري المتحالف مع السعودية، وكان هذا الحوار قد انطلق في السنة الماضية في محاولة لتطويق تداعيات الصراع الآخر الدائر في سوريا وتداعياته السلبية على الساحة اللبنانية، حيث تخوض إيران حربها هناك ضد المتمردين الساعين إلى إسقاط نظام الأسد.
&
&
وعن الحاجة إلى استمرار الحوار اللبناني قال سعد الحريري لتليفزيون «العربية» خلال الأسبوع الماضي «نحن نعتبر ما يجري في اليمن من تطورات نتيجة لما تشهده الساحة السورية والعراقية ومناطق أخرى، ولا يمكن للسعودية أن تسمح للبلدان المجاورة، وبالأخص اليمن، السقوط في أيدي الميلشيات»، وأضاف زعيم «تيار المستقبل»: «لا أعتقد أن أحداً في العالم العربي ضد إيران، بل ضد ما تقوم به في اليمن والعراق وسوريا وباقي مناطق العالم العربي».
ففي العراق تقف إيران إلى جانب بغداد لضرب المكاسب التي تحققت لتنظيم «داعش»، فيما تحولت القوات الإيرانية في سوريا إلى عامل أساسي في منع سقوط نظام الأسد، فقد كان لافتاً أن قوات الحرس الثوري الإيراني هي من تولت مسؤولية دحر متمردي «الجيش السوري الحر» في بعض المناطق السورية بدل نظام الأسد. وبالإضافة إلى الجيش النظامي السوري الذي يعاني الضعف والاستنزاف، تعتمد إيران على مجموعة من الميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان لخوض المعارك ضد المتمردين في جميع أنحاء سوريا، هذا الأمر عبر عنه أحد السفراء الأوروبيين في بيروت، قائلاً «يبدو أن السيطرة المتزايدة لإيران على مفاصل القوة في سوريا من خلال حزب الله هو جزء من مساع إقليمية أخرى لاحتكار القوة والسيطرة من قبل الحرس الثوري بالاعتماد على الميلشيات الطائفية سواء «حزب الله» في لبنان، أو ميلشيا أفغانية تعرف باسم «الفاطميون».
&
&
السعودية تفادت الانخراط في عمليات عسكرية مفتوحة ومباشرة ضد إيران لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، لكن ما جرى في اليمن من تطورات وتمدد «الحوثيين» للسيطرة على كامل البلد غير الموقف السعودي ودفعها للتدخل العسكري، وهو الأمر الذي يبدو أنه أثار حفيظة الشيعة في لبنان، فقد وجه حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، انتقادات لاذعة للتدخل السعودي في اليمن، قائلاً «إنه من حق الشعب اليمني المظلوم أن يدافع عن نفسه»، لكن سرعان ما رد الحريري في تغريدة على «تويتر» وصف فيها كلمات نصر الله بأنها «عاصفة من الحقد ضد السعودية ودول الخليج لا لشيء إلا لأنهم يعارضون التغلغل الإيراني في اليمن»، بيد أن هذا الخطاب الإعلامي المحتدم بين الفرقاء اللبنانيين لم يمنعهم من التأكيد على ضرورة استمرار جلسات الحوار بينهم لمنع تدهور الوضع اللبناني في ظل الاحتقان الإقليمي الحالي.
نيكولاس بلاندفورد*
* كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور
&
التعليقات