حمد سالمين السويدي
فاجأت الشقيقة المملكة العربية السعودية المراقبين للوضع السياسي في الشرق الأوسط بقيادة التحالف العربي بشن «عاصفة الحزم» لدعم الشرعية في الجارة اليمن. في الحقيقة هذه المفاجأة منطقية وجاءت في توقيت مدروس بتاريخ 26 مارس الماضي قبل انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ لتكون على طاولة الاجتماع العربي ليس خياراً وإنما قرار للتعامل مع العبثية الحوثية في اليمن.

إن القيادة في المملكة السعودية أدركت أن أي تأخير للتحرك في الساحة اليمنية سيكون ثمنه زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وما لذلك من تداعيات على الأمن والسلم الدوليين.

ماذا لو تأخرت «عاصفة الحزم» أكثر؟ إجابة السؤال ترسم صورة قاتمة جداً للمنطقة. فاليمن فيه وجود لتنظيم القاعدة وميليشيات الحوثي المسيّرة من طهران، وهناك ألوية عسكرية خاضعة للرئيس اليمني السابق وابنه وقوات تتبع الرئاسة الشرعية للبلاد وقبائل قويّة مدججة بالسلاح، وهذه المكونات قابلة للاشتعال على نطاق واسع في أية لحظة.

إن التدخل الجراحي العربي في اليمن جاء لينقذ اليمن من الفوضى الشاملة فاليمن كان على وشك السقوط والتحول إلى حالة مشابهة للحالة السورية.

«عاصفة الحزم» بداية مرحلة جديدة في الخريطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما كانت هذه الخطوة منتظرة من الجماهير العربية منذ زمن ولكن كما يصف القول «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي». حقيقة «عاصفة الحزم» وما تعبر عنه من إرادة سياسية فاعلة وليس فقط العمل العسكري للدول العربية جاءت متأخرة تقريباً ثلاث سنوات.

فمنذ بداية الحراك العربي وانطلاق الشرارة الأولى في تونس لم تكن هناك ردة فعل موازية للاستجابة للمطالب الشعبية من قبل الحكومات العربية وتلبية تطلعات الشباب، ردة الفعل جاءت للأسف في الجانب الأمني.

هناك من يختلف على تسمية الأحداث التي شهدتها الدول العربية من حراك شبابي أكان ربيعاً أو خريفاً واتسعت رقعة التساؤلات حول المؤامرات ودور المخابرات. نعم كان ربيعاً وانقلب خريفاً.

إن بعض الأنظمة العربية مثل نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ونظام الرئيس السوري بشار الأسد ونظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح جعلت هذه الدول خاوية بحيث لا يستقيم لها دون شخص الرئيس. فالنظام برمته ومكوناته يدور في فلك الرئيس، وجاءت موجة الربيع العربي ليتم التعاطي معها بالرفض والعنف.

وانزلقت هذه الدول في دائرة الفوضى نظراً لغياب العمل المؤسسي والجمود السياسي للأنظمة ما فتح الباب على مصراعيه لتدخل بعض الجماعات المتطرفة ومخابرات الدول الأخرى في محاولة لإعادة صياغة المشهد السياسي في هذه الدول وفق مصالحها.

ومما ساعد في انزلاق بعض الدول من الربيع إلى الخريف أنه لا توجد في الكثير من الدول العربية ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر والتفاوض وتقديم التنازلات وإيجاد الحلول الوسط التي يرتضيها الاغلبية، وبمعنى آخر ثقافة الديمقراطية معدومة فيها. فالرأي الصواب دائماً لمن يملك السطوة والسلطة.

من الضروري أن تلتف كل الدول العربية خلف هذا التوجه العربي الجديد بقيادة المملكة السعودية ومصر، فالمرحلة التي تشهدها المنطقة العربية تستوجب على الدول العربية العمل سوياً لمواجهة التحديات المحدقة بالمنطقة العربية.

ولا بد أن تكون هناك نظرة مستقبلية تتبع «عاصفة الحزم» لإعادة رسم خريطة التحالفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وفق المعطيات الجديدة في المنطقة. لا بد من تجنب أخطاء الإدارة الأميركية في أفغانستان وعدم تكرارها في اليمن فخروج المريض من غرفة العمليات لا يعني شفاؤه.

لا بد من أن تكون هناك خطة لإعمار اليمن تمتد لعشرين عاماً لتؤسس لدولة مؤسسات قائمة على الانتقال السلمي للسلطة ولتكون عضواً كاملاً في مجلس التعاون الخليجي.

نأمل بأن تكون «عاصفة الحزم» جزءاً من توجه سياسي عربي جديد بحيث ألا يقتصر التحرك العربي الحالي على اليمن في الجانب العسكري. معالجة الوضع الحالي في اليمن لا بد أن تتم على ثلاث مراحل لتشمل الجانب العسكري والسياسي والاقتصادي. التوجه العربي الجديد لا بد أن يكون له خريطة طريق لمعالجات الأزمات في الوطن العربي.

من الأهمية أن تكون ليبيا ضمن قائمة التحرك العربي ومنع تحولها إلى دولة فاشلة وباستخدام القوة لدحر قوى التطرف. الوضع في سوريا أكثر تعقيداً ولا بد من الانخراط بصورة أكبر لإيجاد مخرج سياسي للأزمة مع خيار فرض السلام بالقوة. من المهم أن نتذكر الصومال أيضاً لوضع نهاية لوضعه المأسوي المستمر منذ سنوات.

قبل ثلاث سنوات وعلى صفحات «البيان» دعونا في مقال بعنوان «الناتو الخليجي قبل الاتحاد»، إلى تشكيل تحالف عسكري لدول مجلس التعاون بالتعاون مع الأردن والمغرب وباكستان والدول الصديقة لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن وبعض الدول العربية، واليوم نكرر الدعوة ليكون هذا التحرك العسكري العربي ضمن خطة استراتيجية لاستعادة التوازن في الشرق الأوسط وإحلال الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في كل الدول العربية.
&