علي سالم

في العقل توجد أحياء راقية، مساكن فاخرة، هدوء، شواطئ نظيفة، بشر في صحة جيدة تعلو وجوههم ابتسامات رقيقة، كما توجد أحياء عشوائية يسكنها البشر مع أنها غير صالحة لسكنى الآدميين. غارقة في مياه الصرف الصحي والزبالة، وأهم ما تتسم به هو التعامل بالخرافة. غير أن أحياء العقل العشوائية صاحبة فضل علينا لأننا نعرف منها كيف كان البشر يفكرون في مراحل ما قبل التاريخ، وخصوصا في «المرحلة السحرية» التي كان الإنسان يعتقد فيها أن الطبيعة تقلده في أفعاله. ولذلك كان على سبيل المثال يتبول في الحقل عندما كان يريد من الطبيعة أن تمطر. هذه هي بالضبط المرحلة التي ظهر فيها بعض الأذكياء النصابين ليقوموا بالنيابة عنك بالسيطرة على الطبيعة. إنهم قدامى السحرة، وهم ما زالوا على قيد الحياة، نقرأ عنهم وعن ضحاياهم من النساء يوميا في صفحة الحوادث. هم يبيعون للناس الخرافة.


غير أن الخرافة تسكن أحياء العقل العشوائية كما تسكن أيضًا طبقات العقل العليا عند سكان مناطق العقل الراقية. يبدو أنه يوجد ميل قوي داخل العقل الإنساني لاستخدام الخرافة كوسيلة للتفكير وقيادة المجتمعات، إذ لا يوجد دليل على أن الحيوان يؤمن بالخرافة. عندك مثلاً فكرة ملكية الشعب (اللي هو الحكومة) لوسائل الإنتاج. تلك الفكرة التي ثارت عليها دول الغرب بعد أن عانت منها لسبعة عقود تقريبا، ما زلنا نحن في مصر نؤمن بها. فتكون النتيجة أن تخسر كل مؤسسات القطاع العام خسارة مروعة، غير أننا عاجزون عن التخلص من الفكرة، بل ننشغل بعلاجها وكأننا سننجح فيما فشل فيه المرحوم الاتحاد السوفياتي. الأطرف من ذلك أننا نعالج مشاريعنا الاشتراكية المريضة بالتي كانت هي الداء، يعني بالمزيد من الأفكار الاشتراكية. ولكن في نهاية اليوم سنواجه بسؤال: هل الخرافة قدر..؟
الإجابة: نعم.. في حالة أن تطلب من أصحاب الخرافة والمستفيدين من مرتباتها وأرباحها (؟!) وحوافزها ومكافآتها، معالجتها أو تقويمها أو تجديد خطابها أو تحويلها لأفكار عملية.


أمر آخر.. عندما تكون أنت موظفًا مسؤولاً في بستان الاشتراكية، وحتى عندما يثبت لديك بالدليل القاطع أن هذا البستان هو السبب الأول والأخير في ضياع ميزانية بلدك، والفقر المخيف الذي يزحف بالتدريج على أهل بلدك. هل ستعترف أن هذا البستان سيكون سببًا في خراب الأرض؟ لا داعي للإجابة لأنها معروفة للجميع. التنمية تتطلب الحرية، والحرية تتطلب التخلص من كل مشاريع القطاع العام الخاسرة بل والرابحة أيضًا. بعد ذلك على الدولة أن تستدير لتواجه كل العاملين في الحكومة وتصيح في وجوههم: كل من يعطل مشاريع الناس ومصالحها سنتخلص منه فورًا.


خرافة أخرى.. نردد كثيرًا هذه الأيام جملة «اللي مش عارف يشتغل يمشي». يا لها من خرافة عصرية بامتياز، وكأن الأغبياء والمرضى الذين يعطلون مصالح البشر ويسودون عيشتهم يتصورون أنهم عاجزون عن العمل. على العكس من ذلك، كل من هو عاجز عن العمل يتصور أنه الوحيد في وزارته أو إدارته القادر عليه. الأغبياء فقط هم من يعتقدون بأنهم أكثر ذكاء من بقية البشر. عاوزهم يمشوا لوحدهم ويسيبوا حلة الفتة..؟.. ده بُعدك.