فواز العلمي

لتحقيق أهدافنا، على الدول الخليجية استغلال المصالح المشتركة التي تجمعها مع أميركا في تحالف قوي، يقتضي اتفاقا مثاليا للتجارة الحرة، ليصبح الدعم العسكري الأميركي مفيدا لدول الخليج ضد أية تهديدات إقليمية

&


على بعد 100 كيلومتر من العاصمة الأميركية يقع منتجع كامب ديفيد، الذي اختاره الرئيس "هاري ترومان" في عام 1945 منتجعا رئاسيا رسميا، وأعاد الرئيس "دوايت أيزنهاور" تسميته تيمناً باسم حفيده "ديفيد"؛ في هذا المنتجع تبدأ اليوم القمة الخليجية الأميركية بجدول أعمال مثقل بخمس قضايا أساسية، فعلى الصعيد الإقليمي تطالب الدول الخليجية أميركا بضرورة اتخاذ موقف قانوني دولي حازم من الملف الإيراني النووي، ولجم تدخل طهران السافر في الشأن العربي، وإيجاد حل حاسم للأزمة السورية المقلقة. وعلى الصعيد العالمي يحث الجانب الأميركي دول التحالف في عاصفة الحزم برئاسة السعودية على تسريع عملية الحوار السياسي لحل الأزمة اليمنية، ويشاطر دول الخليج استمرارها في إنعاش الاقتصاد العالمي بصفتها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم وثاني أكبر المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية بعد الصين.


وعلى ضفاف وادي حنيفة يقع قصر العوجا، الذي اختاره الملك سلمان بن عبد العزيز لمناقشة قراراته واستقبال ضيوفه وقضاء أوقات راحته. في هذا القصر التاريخي تعانقت مبادئ الحوار مع قواعد دعم الأشقاء وصدّ كيد الأعداء، وتصدرت رفاهية المواطن أهداف صناعة القرار. ففي 100 يوم شهد قصر العوجا زيارة 48 وفدا رسميا، وصدور أكثر من 50 قرارا ملكيا، جاءت جميعها لتمس كل أطياف المجتمع السعودي بشكل مباشر، فكان من أولها صرف مكافأة راتب شهرين لكل المتقاعدين والموظفين ومستفيدي الضمان الاجتماعي والطلاب والمبتعثين، ومن أهمها صدور 33 أمرا ساميا لإعادة هيكلة البيت الداخلي، ومن أعظمها تعيين ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن أشجعها إطلاق عاصفة الحزم لإنقاذ اليمن الشقيق من براثن ميليشيات الشيطان.


لأول مرة في التاريخ العربي الحديث تتخذ دول التحالف بقيادة المملكة في قصر العوجا قرارا شجاعا حاسما لقطع ذنب الأفعى في اليمن دون الحصول على مباركة الدول العظمى، ولأول مرة في تاريخ الدول الخليجية تسعى الدول العظمى برئاسة أميركا إلى تمهيد الطريق في منتجع كامب ديفيد لقطع رأس الأفعى وتحجيم طموحات ملالي طهران النووية. فقبل أسبوع من انعقاد القمة الخليجية الأميركية، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي "بن رودز" أن الرئيس "أوباما" سيسعى خلال القمة إلى طمأنة قادة دول الخليج بوقوف أميركا ضد أي تهديد إيراني، وأنه سيُجدد مساعي حكومته لتطوير نظام دفاع صاروخي متكامل لحماية دول الخليج. كما كشفت صحيفة "واشنطن تايمز" أن القمة ستشهد محادثات سرية بين جميع الأطراف حول صفقة أسلحة أميركية لتعزيز أمن الخليج القومي ومناقشات حول ملف إيران. ونقلت الصحيفة عن المتخصص بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية "أنتوني كوردسمان"، قوله: "إن إدارة الرئيس الأميركي ستعمل على تقديم كل ما في وسعها لطمأنة المملكة بأنها لن تُحابي إيران وتعادي المملكة مطلقا".


لتحقيق أهدافنا، على الدول الخليجية استغلال المصالح المشتركة التي تجمعها مع أميركا في تحالف قوي. فالموقع الاستراتيجي المحوري للخليج العربي الموجود في منتصف الطريق بين أوروبا وشرق آسيا، وامتلاك الدول الخليجية ما يقرب من نصف احتياطي النفط في العالم، وارتفاع حجم التجارة البينية بنسب غير مسبوقة، جميعها تقتضي بأن تكون الدول الخليجية الشريك الاستراتيجي الأكبر لأميركا في اتفاق مثالي للتجارة الحرة، ليصبح الدعم العسكري الأميركي قويا ومفيدا لدول الخليج ضد أية تهديدات عسكرية إقليمية في المنطقة، ولتصبح أميركا الشريك الرئيس الاستراتيجي لأية ترتيبات أمنية إقليمية في الخليج العربي.


أميركا لا تفهم سوى لغة المصالح المشتركة، وعلينا أن نستغل هذه اللغة كي نحقق أهدافنا في كامب ديفيد. فالتعاظم المستمر لدولنا الخليجية أصبح يقتطع في الآونة الأخيرة حصة كبيرة من حجم الأسواق الناشئة في التجارة والاستثمار، وعلى حساب الحصة المناظرة للعالم المتقدم نتيجة ترنحه من الكساد الاقتصادي. وعمليا أثبتت دولنا الخليجية أن انفتاحنا على الأسواق الخارجية أدى إلى زيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى أسواقنا، مما أهلّنا لتحقيق الريادة في مجالات التجارة والاستثمار، وزاد من قيمة صادراتنا إلى دول العالم بنسب كبيرة غير مسبوقة خلال الأعوام الخمسة الماضية. ففي العام الماضي ارتفعت صادراتنا الخليجية إلى أميركا بنسبة 28% وإلى الهند بنسبة 43% وإلى الصين بنسبة 51%. وهذا سيؤدي حتما إلى استمرار معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي الخليجي إلى 5% حتى عام 2018، إضافة إلى ارتفاع متوسط نصيب الفرد من هذا الإجمالي، مقاساً على تكافؤ القوة الشرائية، من 55 ألف إلى 67 ألف دولار أميركي في عام 2018.


لا شك أن أميركا تعلم بأن الصين أبرمت مؤخرا عقودا في الخليج العربي بقيمة 30 مليار دولار، وهذا يعادل 8% من إجمالي العقود المسندة إلى الشركات الصينية على مستوى العالم، وأن مبيعات النفط الخليجي إلى آسيا حققت 68% من صادرات النفط الخليجية مقابل 19% إلى أميركا. كما لا شك أن أميركا تعلم بأن صادراتنا الخليجية إلى الصين ستحصل على الحصة الأكبر من إجمالي صادراتنا بحلول عام 2020 بقيمة تناهز 160 مليار دولار، إيذانا بتعاظم حصتنا إلى الشرق على حساب علاقتنا مع الغرب. كما ستسيطر الصين على سوق وارداتنا بقيمة تناهز 135 مليار دولار أميركي، لتصبح ضعف ما نستورده اليوم من أميركا.


علينا حسم مواقفنا مع أميركا والتفاوض معها بلغة المصالح التي تفهمها كي نحقق أهدافنا.
&