شتيوي الغيثي

للأسف لم يكن هناك تفريق بين الشيعة بعمومهم وإيران بوصفها دولة تحمل المذهب الشيعي ولا تمثل الشيعة العرب وإنما تمثل حالة خاصة لإيران نفسها، وللأسف فقد انجر الطرفان الشيعي والسني في الجانب العربي إلى نوع من التمترس الديني والمذهبي

&


في البداية نعزي إخوتنا في القطيف عموما على مصابهم الجلل، سواء في مسجد القديح أو في مسجد العنود في الدمام الذي حصل هذه الجمعة، وقد كان بينهما أسبوع فقط، وهو عزاء ينبع من ذلك الامتداد الوطني لكل أبناء السعودية، فلنا بهم أواصر الأخوة والصداقة والوطنية والإنسانية والأرض والمصير الوطني المشترك، فلهم منا العزاء والمواساة فهو جرح الجميع من أقصى الوطن إلى أقصاه.


أسبوع واحد يفصل بين حدث مسجد القديح في القطيف وحدث مسجد العنود بالدمام، مما يعني أن عملا منظما يحاول ضرب عمق التعايش بين المذهبين السني والشيعي والهدف منه زعزعة هذا التعايش وخلق بؤر توتر بين الطائفتين.
التعايش في السعودية بعيد الأثر يثبته الواقع العملي اليومي وخصوصا في الشرقية أو المناطق التي فيها توزع مذهبي، فالقطيف من المحافظات السعودية التي تضم غالبية شيعية وقليلا من السنة في حين أن جارتها مدينة الدمام تضم غالبية سنية، وهذا التجاور عميق في البنية الاجتماعية ما بين سنة وشيعة في عموم المنطقة الشرقية في السعودية، مما أثر إيجابيا في بناء مفهوم التعايش والتقارب الاجتماعي والثقافي بين المذهبين، والسعودية بشكل عام تضم عددا من هذا الاختلاف المذهبي المعروف وتحديدا في القطيف والأحساء والحجاز بشكل عام، وكذلك في نجران مما يعزز قيمة التعايش المذهبي والديني، فلم تحصل هناك مشكلات كبيرة إلا قليلا على طول ذلك التعايش المذهبي.
ما حصل لاحقا أنه حصل المد الصحوي كنوع من المناكفة المذهبية بعد نجاح ثورة الملالي في إيران وتحولها إلى جمهورية إسلامية في نهاية السبعينات وتصدير الثورة في بداية الثمانينات، ما جعل المد الصحوي السني يقف في مقابل طائفية التمدد الإيراني، ولكن للأسف لم يكن هناك تفريق بين الشيعة بعمومهم وإيران بوصفها دولة تحمل المذهب الشيعي ولا تمثل الشيعة العرب وإنما تمثل حالة خاصة لإيران نفسها، وللأسف فقد انجر الطرفان الشيعي والسني في الجانب العربي إلى نوع من التمترس الديني والمذهبي كونه يتكئ على منظومتين دينيتين مختلفتين سرعان ما فجرتا الخصام بين الفريقين وهنا كان ظهور الطائفية في العالم العربي بعد أن كانت كامنة مع الدولة القومية العربية في أكثر من مكان.


لكن هناك من المثقفين من يرفض فكرة أن الطائفية كانت هي سبب العمليات التي حصلت في القطيف والدمام تجاه أبناء الشيعة في مساجدهم وإنما هو عمل من تنظيم داعش وهذا صحيح إذا ما أخذنا الأمور من منظورها العملي، بمعنى رؤية الأحداث بشكلها المباشر، وليس بشكلها الفكري العميق الكامن في الذات الفكرية التي تهدف إلى عمل جهادي ضد المختلف، فالموقف الفكري من المخالف هو موقف ديني قبل أن يكون موقفا عمليا.


يرفض الدكتور سليمان الضحيان في مقاله الأسبوع الماضي في صحيفة مكة اعتبار أن عملية القديح هي بسبب الطائفية لأنه يعتبر أن الموقف الفكري من الشيعة الذي كانت تتداوله المنظومة الصحوية في التسعينات لم يقد إلى أي عمليات إرهابية ضد الآمنين، على الرغم من وجود كتيبات عديدة، لعل منها كتاب "وعاد دور المجوس لمحمد سرور"، فعلى رغم انتشار مثل هذا الكتيب إلا أن التاريخ لم يطلعنا على عمليات إرهابية أو لنقل "جهادية" صحوية ضد الشيعة في السعودية، وهذا صحيح إذا ما قرئت الأمور من هذا المنظور ولكن ربما فات الدكتور الضحيان أن كثيرا من السلفيات الجهادية والتنظيمات خرجت من رحم المد الصحوي لكنه كان مستهدفا إلى عدو خارجي أكثر منه متوجها إلى الداخل، ولعل الجانب السياسي في المنطقة عمل على تحويل الأمور من العمل الخارجي إلى استهداف المخالفين في الداخل، خاصة أن المنطقة تعج بكثير من قضايا التحريض الطائفي بين الشيعة والسنة.


كما يرفض بعض المثقفين أن التكفير الديني يستلزم معه القتل، إذ يعتبرون أن التكفير شيء والقتل شيء آخر وهما غير متلازمين، انطلاقا من المنظومة المعرفية التي تقول بالتكفير لكنها لا تؤيد القتل بحكم أن التكفير موقف فكري وديني في حين أن القتل موقف جهادي أو أمني أو هو حكم قضائي في بعض الأمور، رافضين ذلك الخلط بين الأمرين وهذا على المستوى النظري صحيح، لكنه يتغافل عن الجانب العملي في مسألة التكفير، فلكونه موقفا فكريا ينفي حق الإنسان في الاختلاف في الفهم واحتكار الحقيقة الدينية للذات التي تقول بالتكفير يجعل المختلف خارج إطار الدين نفسه ولكونه خارج إطار الدين فالأحكام التي تنطبق عليه هي أحكام غير المؤمنين وهنا خطورة الفكرة الكامنة وراء مسألة التكفير والجهاد في الفكر الإسلامي يذهب إلى مجاهدة غير المؤمنين، خاصة إذا عرفنا أن إحدى آليات المد الصحوي كانت تقول بمسألة الجهاد فهي أصل من أصول الفكر الصحوي في وقته وإن كانت قد تغيرت الأمور لاحقا حينما انفرط عقد مسألة الجهاد واختلف الفرقاء ونشأت التنظيمات الجهادية التي اختلف مسارها عن المسار من جهاد الخارج إلى جهاد الداخل.


وعلى ذلك فإن التكفير هو قنطرة القتل على الهوية وهو أحد أهم قضايا الطائفية التي تشتعل بالمنطقة العربية، ولذلك فإن النظر إلى المسألة العملية إلى جانب المسألة النظرية واتكاء العملي على النظري يفضي إلى فهم أفضل من الاكتفاء في الجاب النظري من المسألة ومن هنا فإن الطائفية كانت أحد أهم المحرضات الفكرية للقتل حتى ولو بطريق غير مباشر.
&