عبدالعزيز قاسم

يعود رفض بعض أعضاء الشورى لمقترح حماية الوحدة الوطنية إلى أن النظام الأساسي للحكم في أكثر من خمس مواد يغطي ما جاء في المشروع المقترح، إضافة إلى بقية الأنظمة الموجودة

&


بكثير من الحدة والحنق، قلت لأحد أعضاء مجلس الشورى السعودي، ممن عارض نظام حماية الوحدة الوطنية الذي قدم مؤخرا، وقد ركبتُ موجة كثير من الإعلاميين والناشطين الساخطين: "لم أكن أتصور أن مجلسا، مفترض فيه أنه ممثل للشعب، يقف ضد نظام هو في صالح الوطن، ويقضي على الطائفية والكراهية والتمايز المذهبي؟"
بهدوء وبنبرة خفيضة أجابني هذا العضو الصديق: "حنانيك علينا، فليس الأمر بما تتصوره، وأقسم بالله غير حانث، أنه لا يوجد أحد من معارضي النظام المقدم من يرضى بأي تجاوز على أساس طائفي، وكلنا ضد ما حدث من تعدّ في القطيف والقديح، ولا نقبل أبدا بأي خلل أمني، أو أي خطاب تحريض. أقول لك هذا كي نقطع على بعض زملائك الإعلاميين ممن خندقنا للأسف مع "داعش" وأعداء الوطن، لمجرد أننا عارضنا المشروع، دون أن يبحثوا في أسباب اعتراضنا، وقد طاروا في العجة".


جابهت صديقي بالسؤال عن السبب، وقد صارحته بأن يجيب مباشرة بدلا من لوي الحديث لفرعيات، فرد بذات النبرة: "القصة أنه قدم للمجلس ثلاثة مقترحات للمشروع، وأسماؤها متشابهة ومكررة، ويبدو أن مرجعها واحد، بالرغم من أن كل واحد منها قدّم بشكل مستقل وباسم مختلف، ويجمعها مسألة الوحدة الوطنية. وبحسب إجراءات سير المشروعات في المجلس، أحيلت جميعها إلى لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية لدراستها..".
قطعت على عضو مجلس الشورى سرده، وقلت له: "لماذا حُولت إلى هذه اللجنة، بالرغم من أن لها تماسات مع وزارات وجهات أخرى"؟
رد عليّ مباشرة: "اللجنة قامت باستضافة جميع الجهات التي تقول بها، من بينها وزارة الداخلية، واستمعت لكل وجهات النظر، وقدمت دراسة حول الأنظمة والتشريعات الموجودة التي تغطي مواد النظام، وحررت في تقريرها للمجلس بأن هناك رأيين: أحدهما مؤيد، والآخر يرى أنه لا حاجة إليه. وكان رأي اللجنة أن هذا النظام المقدم متحقق بالأنظمة الموجودة، لكنها أوصت بملاءمته للدراسة".


وأضاف عضو مجلس الشورى إجابته: "هناك دراسة أخرى أجرتها إدارة المستشارين القانونين في المجلس، وتوصلوا إلى عدم وجود حاجة إليه، وأن المواد متحققة في النظام الأساسي للحكم، ونظام الجرائم المعلوماتية، ونظام المطبوعات والنشر، كل البنود المقدمة موجودة في هذه الأنظمة، فلماذا استحداث نظام جديد!"
لنت قليلا، وهدأت سَورة الحنق لديّ، وقلت له: "هل بالإمكان أن تستشهد لي بمادة واحدة على الأقل تنص على تجريم الطائفية"؟
هنا تغيرت نبرة صديقي وانفرجت بعض أساريره وقال: "هذا النقاش العلمي الذي نحتاج إليه، لا التخوين ورمي التهم الذي مارسه زملاؤك. إليك نص المادة الثالثة من نظام الحكم: "فيما عدا ما تقرره شرعا والحقوق الخاصة بالمواطنين السعوديين التي تقررها الأنظمة، يحظر التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات العامة بسبب العرق أو اللون أو النسب أو الجنس أو الدين، أو الأصل أو المكانة الاجتماعية أو الانتماء القبلي أو الطائفي أو المذهبي".


سألت صديقي عضو مجلس الشورى، عن أسباب رفضه هو شخصيا، بعيدا عن زملائه، ولماذا تحفظ؟ ارتسمت علامات الجد على وجهه وقال: "سأكون صريحا معك أخي أبا أسامة، القضية ليست لأن أقلية تريد فرض رأيها على أكثرية، أو أن طائفة معينة تستغل أحداثا لتطالب بما هو أكثر من حجمها، بل لأن النظام الأساسي للحكم في المملكة يحتكم إلى الإسلام وليس للمذهب كما هو الحال في بعض الدول المجاورة كإيران.


ثانيا: النظام الأساسي للحكم في أكثر من خمس مواد يغطي ما جاء في هذه المقترح، إضافة إلى بقية الأنظمة الموجودة.
ثالثا: في المقترح المقدم مواد من الاتفاقيات الدولية التي تحفظت عليها المملكة، ولم توقع عليها.


رابعا: الدول العربية والإسلامية لا توجد فيها أنظمة خاصة بالوحدة الوطنية بل مواثيق شرف فقط. والكويت أصدرت مؤخرا قانونا يجرّم الكراهية والطائفية، وليس قانون وحدة وطنية بما طالب به المقدمون.
خامسا: إن وضع قانون سيضيّق على الناس،
وسيحاسبهم على كل ما يصدر من أقوال وأفعال وإن لم تكن مقصودة. وفيه تضييق على الحريات، وانتبه؛ نحن هنا لا ندعو إلى فشو الكراهية والتمييز بين الطوائف، فثمة قوانين موجودة تحاسبهم.
سادسا: يطالب النظام المقدم بعدم التمييز في الحقوق والواجبات على أساس الجنس، وفي هذا تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ونظام الأحوال الشخصية. بمعنى منح الجنسين نفس الحقوق في كل شيء، وذلك يلغي أحكام الإرث والزواج والعدة والنفقة وتعدد الزوجات وغيرها.


سابعا: يطالب النظام بعدم التمييز في الحقوق والواجبات على أساس المذهب، ما يعني منح الاعتراف للمذهب الشيعي وللصوفية وغيرهما، وهذا الاعتراف يترتب عليه مسائل تشريعية وإجرائية عدة، منها على سبيل المثال حق التمثيل في هيئة كبار العلماء وحق ممارسة شعائرهم في الحرمين وغيرها مما لا يمكن حصره هنا، ومما سيسبب إشكالا مجتمعيا كبيرا نحن في غنى عنه اليوم، خاصة أن الوطن في أتون حرب.


ثامنا: يطالب النظام عدم التمييز على أساس الفكر.. ويترتب عليه الاعتراف بالملحدين والعلمانيين وغيرهم ممن يتبنى فكرا مخالفا للإسلام، ومنحهم الاعتراف يترتب عليه رفع العقوبات المقررة شرعا.


تاسعا: استخدام النظام لمصطلح التمييز، وهو في حالتهم مصطلح فضفاض لا يمكن ضبطه وتحريره. وسيتم توظيف النظام في أمور عدة تحت حق حظر التمييز. وجميع هذه الأمور وغيرها مما ورد في النظام تتعارض مع النظام الأساس للحكم".


والله فغرت فمي دهشة، وازدردت ريقي، وقلت بصوت هادئ مستكن: "إذن كيف ترى أيها الصديق حل مشكلة الطائفية"؟
رد بثقة: "يا صديقي التوترات لن يقضي عليها نظام، فهي تتم تغذيتها من الخارج، ولن يفيد معها نظام. لو صدقت نوايا هؤلاء المطالبين بحق، لتفرغوا لتعزيز المواطنة في أهليهم، بدلا من الجأر والشكوى والمطالبة بنظام؛ نصوصه موجودة ومطبقة أصلا".
&