سمير عطا الله
المشكلة الجوهرية في الاتفاق النووي أن طرفيه الأساسيين لا يثقان ببعضهما البعض، أميركا وإيران. والمشكلة الأخرى أن الأطراف المعنية بانعكاسات المصالحة، لا تثق بفريقين لا يثقان ببعضهما البعض. وأهم وأكثر من عبّر عن هذا الواقع كان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، والقائد الأعلى للقوات الأميركية المسلحة التي تفوق موازنتها العسكرية موازنات جميع الأمم مجتمعة، كبرى وصغرى ومتوسطة؛ أعلنا عدم الثقة بما حصل.
إذا لم يكن خصمك، أو صديقك موضع ثقة، ماذا تفعل؟ واحد تخشى هجوميته، وواحد تخشى انكفاءه. وكلاهما لا تثق بتوقيعهما. عندما رمى صدام حسين اتفاق العراق مع طهران في سلة المهملات، لم يعتبر ذلك سوءًا، بل انتصارًا. وعندما مزق هتلر اتفاقه مع ستالين رأى في ذلك براعة، لا خدعة أخلاقية. وعندما كانت اتفاقات الوحدات العربية في المساء، وترمى في الفجر، لم تكن الشعوب العربية ترى في ذلك عيبًا، بل تلقائيات متوقعة.
أهم مفاوضات في تاريخ السلم كانت خفض الأسلحة المتبادل بين موسكو وواشنطن. ومع ذلك سلمتا الأمر إلى رجال «فنيين»، كان بعضهم من أقدر الدبلوماسيين. لا أذكر - ربما عن تقصير - أن وزير خارجية أميركا أمضى كل هذا الوقت في التفاصيل مع وزير خارجية آخر. حتى مفاوضات فيتنام في باريس تُركت بعد إعلان المبادئ إلى الفنيين.
لكن هذه شخصية وإرادة باراك أوباما، الذي أرسل موظفين إلى كوبا بعد 50 عامًا من العداء، وأرسل وزير خارجيته إلى عواصم ومدن الحياد، قائلاً له: «إياك والعودة من دون اتفاق». وأوفدت إيران، في المقابل، وزيرها المختص في التفاوض مع الأميركيين، من الرهائن الدبلوماسيين إلى الرهينة النووية.
غير أن الخطر النووي لا يخيف في الحقيقة أحدًا بقدر ما يخيف أصحابه. تلك هي تجربة المفاعل السوفياتي (السلمي) أيام غورباتشوف، والمفاعل الياباني الذي ضربه التسونامي. لذا، فالمشكلة الحقيقية في الأسلحة غير النووية. وقد كان أول مطلب بعد توقيع الاتفاق ضرورة قبول الجيش اللبناني بـ«هبة» الأسلحة الإيرانية، تماثلاً مع قبول الهبة السعودية من الأسلحة الفرنسية، لمساعدة جيش يواجه رعب الحدود المتفلتة مع سوريا، ورعب الوضع المتوتر في طرابلس، ويحفظ أمن الاتفاقات الدولية في الجنوب، ويحفظ السراي الحكومي في بيروت من الاقتحام كلما كانت لحزب «التيار» قضية تعيين بالإكراه بدل الأكثرية.
لا نعرف ماذا من المسائل غير النووية تم بحثه، أو تم الاتفاق عليه، أو تم التراضي حوله، أو تم التخادع فيه. لكن الاتفاق النووي بداية لفصول كثيرة، وليس نهاية حتى لفصل واحد. والمسألة بين العرب وإيران لم تكن في مفاعل بوشهر، بل في استعراضات قاسم سليماني العسكرية، ما التقطت له الصورة المعدة وما لم يمكن تصويره. فالصورة مجرد رسالة أخرى، موقعة من صاحبها، ولكن غير مكتوبة.
ليس لنا إلا أن نأمل. أو بالأحرى، ليس لنا أن نأمل. الراحل الكبير سعود الفيصل كان يقول إن جون كيري رجل عادل وحسن النوايا. لكن الاعتقاد أنه لم يطرح على المفاوضات مع محمد ظريف نواياه حيال العالم العربي. الاتفاق لم يوضع لكي يحد من الفلاحة الإيرانية في الأرض العربية. لقد ضمن (!) حدًا محدودًا للانفلاش النووي بزاويته الإسرائيلية، لكنه ثبَّتَ شراكة إيران في المصير العربي. وكما ردد البعض من قَبل «الخليج العربي الفارسي»، قد نبدأ غدًا في القراءة عن «العالم العربي الإيراني». في أي حال، تهنئة للمستر كيري بالعودة إلى بلاده. الغربة صعبة يا رجل.
التعليقات